الإثنين 22 أبريل / أبريل 2024

ثورة تشرين العراقية.. من إسقاط الطبقة السياسية إلى الانتخابات المبكرة

ثورة تشرين العراقية.. من إسقاط الطبقة السياسية إلى الانتخابات المبكرة

Changed

قادت حملة التشكيك من قبل الأطراف السياسية الخاسرة بنتائج الانتخابات إلى تساؤلات حول ما إذا كانت المعادلة السياسية ستتغير أم ستبقى على حالها.

لا تزال ساحة التحرير في العاصمة العراقية بغداد إلى يومنا هذا شاهدة على ثورة تشرين العراقية التي انطلقت منها عام 2019، حيث بقيت جدرانها مخلصة لشعارات الحرية التي كانت تصدح بها أصوات المتظاهرين.

فالشباب العراقي الذي سئم من الحال الذي وصلت إليه بلاده من فقر وفساد وتردي الخدمات المعيشية، قرر في سبتمبر/ أيلول إطلاق دعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي للنزول إلى الشوارع والمطالبة بالتغيير.

وعن هذا اليوم، يروي الصحافي العراقي أحمد الشيخ ماجد تفاصيل الدعوات التي انطلقت في نهاية سبتمبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ "نازل آخذ حقي"، حيث تمت المشاركة بشكل واسع في صفحات المشاهير وغيرهم من الذين يدعمون الاحتجاجات.

ويعتبر أحمد الشيخ ماجد في حديث إلى "العربي"، أن السنة التي حكم فيها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي "كانت سنة ركود سياسي"، باعتبار أنه "لم يكن مرشحًا للانتخابات أو أنه جاء عبر طريقة ديمقراطية يتمناها الشباب لنظامهم السياسي في العراق".

من جهتها، تقول الطبيبة والمسعفة في ساحة التحرير إيناس موسى: "تعودنا أن تكون التظاهرات من المثقفين وأسماء معروفة أو من الحزب الشيوعي، لكن هذه المرة كانت من الشباب".

وتوضح موسى في حديثها إلى "العربي" أن البعض وصف هؤلاء الشباب بـ"الجهال" لعدم معرفة من وراءهم ومن يدير تحركاتهم. وتتذكّر أنها رأت لأول مرة دعوة إلى تظاهرات تشرين عبر مباراة في ملعب الشعب، حيث اختارت حينها انتظار موعد الأول من أكتوبر لمعرفة ما سيحصل.

"توجس" بين القوى السياسية من الاحتجاجات

بدوره، يلفت الكاتب والمحلل السياسي سعدون ضمد في حديث إلى "العربي"، إلى أنه قبل أيام من انطلاق تظاهرات الأول من أكتوبر/ تشرين الأول "كان هناك تعميم لدى القوى السياسية بمن فيهم الحزب الشيوعي لعدم التظاهر".

ويشير ضمد إلى أن التيار الصدري كان "متوجسًا" أيضًا من المشاركة في تلك التظاهرات. ويعتبر أن "تلك الصدمة قد فاجأت الجميع".

ويوضح أنّ "الخوف والقلق الذي كان يعم الطبقة السياسية من ضمنهم التيار الصدري وحزب الدعوة والمجلس الأعلى وغيرهم أعطت الضوء الأخضر للتوجس من تلك التظاهرات".

ويؤكد أن "عملية هدر الدماء بدأت قبل انطلاق التظاهرات" وسط سؤاله للطبقة السياسية عن أسباب التحذير والتخويف من الاحتجاجات.

تحول جوهري في مطالب المتظاهرين

من جهته، يعتبر عضو المكتب السياسي لحزب البيت الوطني علاء ستار أن "مستوى الوعي الجماهيري والشبابي وصل إلى اعتبار أن السلطة السياسية غير قادرة على إصلاح ذاتها".

ويرى ستار في حديث إلى "العربي"، أنه منذ الأول من تشرين "كان هناك تحول جوهري في المطالب أمام السلطة السياسية". ويلفت إلى أنه "كان لأول مرة وجود مطالب تتعلق بإسقاط حكومة وإقامة انتخابات مبكرة حيث لم تشهد الاحتجاجات منذ 2011 وجود تلك المطالب".

ويرى أن تظاهرات تشرين "حددت شروطًا لشخصية رئيس الوزراء المقبل، إضافة إلى وجود مطالب لأول مرة لإيجاد بديل لهذه السلطة السياسية".

شهد العراق أطول إضراب طلابي أثناء الاحتجاجات ضد الطبقة السياسية عام 2019 (غيتي)
شهد العراق أطول إضراب طلابي أثناء الاحتجاجات ضد الطبقة السياسية عام 2019 (غيتي)

مشهد "مرعب" في ساحة التحرير

استجاب الشارع العراقي في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2019 للدعوات الإلكترونية ونزلوا إلى الشوارع واجتمعت أصواتهم لتعلو نحو سماء نصب التحرير للمطالبة لأول مرة بإسقاط الطبقة الحاكمة.

ويقول الصحافي أحمد الشيخ ماجد: إنه "لم يكن يتوقع أحد أن تكون الأعداد كبيرة التي جاءت إلى ساحة التحرير في صباح الأول من تشرين الأول عام 2019". ويشير إلى أنه بعد ساعات من ذلك بدأت أعداد المتظاهرين تتزايد وجاؤوا من كل مكان إلى الساحة.

من جهته، يروي عضو التنسيقية الطلابية في بغداد ليث حسين في حديث إلى "العربي"، أنه في الأول من تشرين الأول كان هناك نداء من الأطباء في إحدى المستشفيات القريبة من ساحة التحرير لوجود عدد كبير من الإصابات.

ويلفت حسين إلى أنه فور التحاقه بساحة التحرير لاحظ وجود عدد كبير من المصابين، إضافة إلى استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين بشكل كثيف.

ووصف المشهد بـ"المرعب" في تلك الفترة في ساحة التحرير على خلفية الاستخدام الكبير للرصاص الحي، إضافة إلى تعمد قطع الكهرباء عن الساحة والقيام بعمليات دهس للمتظاهرين من قبل سيارات قوات الأمن.

سقوط أول ضحية في الاحتجاجات

من جهته، يرى الصحافي أحمد الشيخ أحمد أنه مع بدء استخدام الرصاص انتقل الاحتجاج إلى حالة جديدة مع سقوط أول متظاهر وهو محمد حبيب الساعدي.

وتؤكد والدة الضحية محمد حبيب الساعدي "أم محمد" في حديث إلى "العربي" أن نجلها بقي أكثر من ساعة على الأرض ينتظر الإسعاف على خلفية منعه وتركه ينزف في المكان من قبل قوات الأمن.

وعن ذلك، ترى الطبيبة إيناس موسى أنه بعد تلك الحادثة إثر سقوط أول ضحية بالاحتجاجات "بدأت الأمور تتغير وأن هناك سببًا للمشاركة في التظاهرات".

وتؤكد موسى أن "مركز التبرع بالدم لم ينظر إلى الحالات (الإصابات) على أنها طارئة حيث كان يمنع أكياس الدم عن المتظاهرين". وتشير إلى عملها هي وزملائها على توفير كميات من الدم والنزول إلى ساحة الاحتجاج.

كتم أصوات الصحافة

تصاعدت وتيرة الاحتجاج وارتفع مستوى التعاطف والتضامن الشعبي مع التظاهرات نتيجة القمع الوحشي الذي تعرض له المتظاهرون فقوبل بمحاولات السلطات الأمنية إخماد التظاهرات، حيث قامت بحجب وسائل التواصل الاجتماعي وقطع الإنترنت وحشد حملات إعلامية مضللة ضد النشطاء.

ويشير الصحافي أحمد ماجد الشيخ إلى دخول "ميليشيات على مؤسسات إعلامية في بغداد وأغلقتها تمامًا"، ويؤكد أن تلك الميليشيات كانت "لا تريد أن ينقل حتى مجرد خبر عن التظاهرات".

ويلفت إلى أن تلك المجموعات كانت تريد "تنفيذ عمليات قتل من دون وجود عين الصحافة".

لم تكتف الحكومة بمنع الصحافة من تغطية الأحداث في تشرين بل رفعت من وتيرة العنف في التصدي للمتظاهرين.

ويقول ليث حسين: إنّ النظام السياسي لم يقابل المطالب بالاستجابة بل قابل الشباب بكيل الاتهامات وأيضًا بـ"القناصة" والرصاص الحي.

التشكيك بـالمحتجات العراقيات

من جهتها، تلفت الطبيبة إيناس موسى إلى أن "أبرز وسيلة للقمع كانت تخويف الناس التي تساعد المتظاهرين"، مشيرة إلى أن أكثر القصص التي تأثرت بها خروج قصص "عن اختطاف المتظاهرين لها"، إضافة إلى تشكيك قوات الأمن بـ"شرف" البنات المشاركات بالتظاهرات وتربيتهن.

ويتذكّر الشاب ليث حسين زعماء أحد الأحزاب السياسية الذي يمتلك جناحًا مسلحًا بتغريده ضد المحتجات العراقيات حيث حاول "الإساءة لهن والتنكيل بهن بصورة بشعة وغير مقبولة". ويلفت إلى أنه تم "الرد عليه عبر مسيرات اتحاد طلبة بغداد، إضافة إلى مسيرات نسوية".

وشهد العراق أطول إضراب طلابي حيث ضم طلبة المدارس والجامعات بقيادة اتحاد طلبة بغداد، واستمر نحو ثلاثة أشهر دعمًا لمطالب ثورة تشرين.

ويلفت عضو اللجنة التنسيقية الطلابية في بغداد ليث حسين إلى أن نفق ساحة التحرير "كان يمتلئ بالطلاب وبالخيم والمفارز الطبية، إضافة إلى معارض الكتب والمهرجانات والبازارات".

ويقول: إنّ "النفق في تلك الفترة كان يمثل شكل العراق الذي يريده المتظاهرون وطموحهم في تحقيق الدولة المدنية. الدولة التي بها العدالة والحقوق والمساواة".

"معادلة القتل" سائدة في العراق

ومنذ بدء ثورة تشرين التي استمرت لأشهر متواصلة قتل بحسب إحصائيات مفوضية حقوق الإنسان أكثر من 550 متظاهرًا وأصيب 22 ألفًا منهم من تعرض لإعاقات جسدية دائمة ومئات المعتقلين والمختطفين.

وتقول الطبيبة إيناس موسى: إنّ متوسط الإصابات اليومي كان ما بين 150 إلى 200 إصابة، لكنها تلفت إلى أنها "لا تستطيع جلب أي دليل عن هذا العدد لأن مراكز الإحصائيات في المستشفيات كان لديها تعليمات أن لا تكتب أسباب الموت الحقيقية".

من جهته، يبين الصحافي أحمد ماجد الشيخ أن جسر الجمهورية شهد مقتل الكثير من المتظاهرين، حيث كان "سقوط الشهداء أو الجرحى يحدث بشكل يومي".

ويلفت إلى أن الحكومة كانت تنظر إلى سيطرة المتظاهرين على هذا الجسر "على أنه يعني سيطرتهم على مركز الحكومة".

من جهته، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي سعدون ضمد أنه "لا يمكن الاستغراب من سياسة القتل" التي كانت تمارس بحق المتظاهرين.

ويرى أن "معادلة القتل والفساد هي التي لا تزال تحكم العملية السياسية" في العراق، ويلفت إلى أن الطبقة السياسية "المسلحة" تنظر إلى معارضتها على أنه "صراع وجود".

مقتل صفاء السراي واحتجاج المطعم التركي

أما الطبيبة إيناس موسى فتروي أنه منذ اللحظة التي رأت فيها صديقها صفاء السراي (أحد ضحايا ثورة تشرين 2019) أصيب بقنبلة برأسه تحولت من "إيناس الدكتورة التي خرجت لإسعاف الجيش والشرطة والمتظاهرين إلى إيناس التي تساند التظاهرات".

ويرى الصحافي أحمد الشيخ ماجد أنه في "اليوم الذي استشهد فيه صفاء السراي نزلت من أعلى مبنى المطعم التركي بوسترات الكلمات التي كتبها وتم تداولها بين المتظاهرين".

ويلفت إلى أن المتظاهرين أطلقوا اسم "جبل أحد" على مبنى المطعم التركي في بغداد وأحيانًا أطلقوا عليه اسم "فندق ابن ثنوة".

من جهته، يرى ليث حسين أن وجود المتظاهرين في المطعم التركي "قد حمى التظاهرات وجعلها تستمر لفترة طويلة"، معتبرًا أنها "حركة ذكية جدًا من المحتجين".

وبعد مرور شهرين على صمود المحتجين في الساحات واتساع رقعة التظاهرات وزخمها وبالتزامن مع مطالبة المرجع الشيعي علي السيستاني بـ"تغيير القيادة" نجحت ثورة تشرين العراقية بتحقيق أحد مطالبها حيث أجبرت رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على تقديم استقالته.

ويقول ليث حسين: إنّ التظاهرات وثورة تشرين هي أكبر من أن تكون نتائجها إسقاط حكومة عادل عبد المهدي (حكومة القناصين وقتلة المتظاهرين).

ويضيف: أنّ مطالب المتظاهرين كانت تهدف إلى إسقاط المنظومة السياسية الحاكمة، وإجراء الانتخابات المبكرة.

قانون انتخابي "على المقاس"

من جهته، يوضح عضو المكتب السياسي لحزب البيت الوطني علاء ستار أنه بعد الانسحاب من ساحات الاحتجاج على إثر انتشار وباء كورونا حيث صارت "الصورة واضحة أمامهم" عبر تحديد موعد للانتخابات.

ويلفت إلى أنهم خاضوا حوارات "صعبة على المستويين الفكري واللوجسيتي" في اتخاذ قرار المشاركة في الانتخابات والبدء في "إزاحة السلطة السياسية"، مشيرًا كذلك إلى الصعوبات التي واجهت الشباب والمضايقات من قبل الميليشيات.

من جانبه يرى المحلل السياسي سعدون ضمد أن الذين قرروا المشاركة في الانتخابات بدأوا يعوا "صعوبة الدخول في تلك الانتخابات باعتبار أن قانون الانتخابات مرسوم بأن لا يسمح لتشرين بالفوز بها".

وعن ذلك يقول علاء ستار في حديث إلى "العربي": إنه منذ دعوة السلطة السياسية إلى مشاركة الشباب في الانتخابات "بدأت عمليات القتل".

ويضيف: "في النهار يقولون تعالوا شاركوا في الانتخابات وفي الليل يُقتل المنافسون".

ويؤكد أن هذا الأمر "جعل هناك قناعة تامة لديهم بضرورة مقاطعة الانتخابات فقط للقول للسلطة السياسية: إنكم ستفوزون في تلك الانتخابات حتى لو كانت بمقاطعة واسعة لكن ستنتجون حكومة غير مستقرة وأربع سنوات قادمة غير مستقرة".

هل ستقتل أفكار تشرين أم سيعود الحراك إلى الشارع؟ (غيتي – أرشيف)
هل ستقتل أفكار تشرين أم سيعود الحراك إلى الشارع؟ (غيتي – أرشيف)

ماضون نحو "لحظة الانفجار"

لكن سعدون ضمد يرى أن الجميع يدرك أن العراق ماض نحو "لحظة انفجار". ويعتبر أن "المشكلة أن الجميع يعرف أن لا سبيل إلى الحيلولة دون وقوع لحظ الانفجار" نتيجة للطبقة السياسية.

ورغم مقاطعة العديد من التيارات الشبابية للانتخابات النيابية المبكرة والتي كانت إحدى نتاج ثورة تشرين، إلا أن الحكومة العراقية لم تأبه لهذه المقاطعة وأقامت الانتخابات في موعدها دون طرح أي حلول.

بعد ذلك شككت الأطراف السياسية الخاسرة بنتائج الانتخابات بعد الإعلان عنها؛ ما قاد لاحقًا لتساؤلات حول ما إذا كانت المعادلة السياسية ستتغير أم ستبقى على حالها؟ وهل ستقتل أفكار تشرين أم سيعود الحراك إلى الشارع؟

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close