من المتوقع أن تلتقي كاملا هاريس نائبة الرئيس الأميركي مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في ميونيخ اليوم السبت، فيما يرجح أن يكون اللقاء تعبيرًا قويًا عن الدعم الدبلوماسي لهذه الدولة الأوروبية، بعد يوم من تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه "مقتنع" بأن روسيا اتخذت قرارًا لغزو أوكرانيا.
ووفقًا لما ذكره مسؤول كبير بالإدارة الأميركية تحدث للصحافيين شريطة عدم الكشف عن هويته، فإن هاريس ستلقي أيضًا كلمة تحذر فيها روسيا من أن أي غزو لأوكرانيا قد يؤدي على الأرجح إلى انتشار أكبر لحلف شمال الأطلسي على أعتابها، وأنها ستواجه تكلفة مالية ضخمة إذا أقدمت على تلك الخطوة.
وأضاف المسؤول وفقًا لوكالة "رويترز" أن رسالتها ستوضح رغم ذلك أن الولايات المتحدة لا تزال منفتحة على الدبلوماسية "حتى في هذا التوقيت المتأخر".
وكانت هاريس التقت أمس الجمعة مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ وقادة من ثلاث دول في البلطيق، وقالت إنه يتعين على روسيا أن تبين أنها منفتحة على الدبلوماسية، في حين أشارت إلى وجود موقف موحد بين الدول الأعضاء في حلف الأطلسي وعددها 30، وحذرت موسكو من عواقب وخيمة إذا غزت أوكرانيا.
وكان بايدن قد قال أمس إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرر غزو أوكرانيا وأنه يواصل نشر معلومات كاذبة لمحاولة إيجاد ذريعة لتوجيه ضربة عسكرية قد تحدث في غضون أيام.
وتنفي روسيا أي خطط لها لغزو أوكرانيا، لكنها تسعى لمنع انضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلسي وتتهم الغرب بالهستيريا.
دونيتسك ولوغانسك تعلنان التعبئة العامة
وأمس الجمعة طلب الانفصاليون الذين تدعمهم موسكو في شرق أوكرانيا من المدنيين مغادرة المناطق الانفصالية على حافلات، في خطوة يخشى الغرب أن تكون جزءًا من ذريعة لشن هجوم.
كما أقر زعيم منطقة لوغانسك الانفصالية في شرق أوكرانيا أمرًا بالتعبئة العامة، حاذيًا حذو زعيم الانفصاليين في دونيتسك، مع تزايد المخاوف من هجوم روسي على الجمهورية السوفياتية السابقة.
والجمعة، تبادل مسؤولون في أوكرانيا والانفصاليون الموالون لروسيا الاتهامات بعمليات قصف جديدة شرقي البلاد، الذي يشهد منذ الخميس تصعيدًا أمنيًا على وقع مخاوف من هجوم روسي محتمل.
وكانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت أمس الجمعة أن بوتين سيشرف على تدريبات عسكرية تشمل إطلاق صواريخ باليستية وصواريخ كروز. ووصف المسؤول الكبير بالإدارة الأميركية القرار بأنه "تصعيدي ويبعث على الأسف".
محادثات فرنسية روسية الأحد
وفي ظل تصاعد التوتر حول أوكرانيا، أكّد الكرملين أن الرئيس الروسي سيجري مكالمة هاتفية مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحد.
وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف: إن المكالمة "مدرجة على جدول الرئيس" الأحد.
وكان الإليزيه أعلن الجمعة أن هذه المكالمة الهاتفية تهدف إلى "تجنب الأسوأ" في أوكرانيا. ومن المقرر أن يلتقي إيمانويل ماكرون الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي السبت على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن.
وشدّد الإليزيه على ضرورة "تجربة كل شيء، والقيام بكل شيء حتى لا يحدث الأسوأ"، محذّرًا من "خطر غزو روسي للأراضي الأوكرانية الخاضعة لسيطرة حكومة" كييف، وليس فقط لتلك الخاضعة لسيطرة الانفصاليين الموالين لموسكو في شرق أوكرانيا.
وقالت الرئاسة الفرنسية عقب محادثة جرت بين قادة ورؤساء حكومات أبرز الدول الغربية الجمعة: إنّ "واجبنا هو تجنّب الأسوأ، ونعتقد أنّه ما زال لدينا الإمكان لثني الرئيس بوتين عن المضيّ قدمًا نحو مهاجمة أوكرانيا".
وجمعت المكالمة بالإضافة إلى ماكرون كلاً من الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والمستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، ورئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لايين ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي شارل ميشال ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ والرئيس البولندي أندريه دودا ونظيره الروماني كلاوس يوهانيس.
وشدّدت الرئاسة الفرنسية على أنّ الغربيين لم يرصدوا "أيّ انسحاب للقوات الروسية" المحتشدة على تخوم أوكرانيا، وذلك خلافًا لما أعلنته روسيا في الأيام الأخيرة.
ما هي دلالة عدم مشاركة روسيا في مؤتمر ميونيخ للأمن؟
وبعد تأجيله عام 2020 بسبب جائحة كوفيد-19، انطلقت أمس الجمعة أولى جلسات مؤتمر ميونخ الدولي للأمن في دورته الـ58 في مدينة ميونخ الألمانية فعليًا وليس افتراضيًا.
وجاء المؤتمر في وقت يشهد فيه العالم تطورات على المستويات السياسية والأمنية، خصوصًا الأزمةَ بين أوكرانيا وروسيا.
كما يناقش المؤتمر الذي يعد أحد أشهر المؤتمرات الأمنية في العالم، ملفات أخرى من بينها الملف النووي الإيراني، وجائحة فيروس كورونا، وأزمات المناخ والطاقة، بالإضافة إلى بنية النظم الأمنية في العالم.
ورغم توجيه دعوة لها فإن روسيا الطرف الأساس في الأزمة فضلت المقاطعة عن الحضور، في وقت كثفت فيه واشنطن من تمثيلها الديبلوماسي عبر مشاركة نائبة الرئيس الأميركي ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، بالإضافة إلى مشاركة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وأكثر من 30 رئيس دولة وحكومة.
وفي هذا الإطار، اعتبرت الخبيرة في الشؤون الأوروبية والأطلسية هالة الساحلي أن غياب روسيا عن مؤتمر ميونخ للأمن لا يعني إغلاق باب التفاوض، مضيفة أن ما تشهده المنطقة هي "عملية شد حبال"، وأن غياب بوتين هو لزيادة الضغط على الحلفاء المتواجدين في المؤتمر.
ورأت في حديث لـ"العربي" من العاصمة البلجيكية بروكسل، في تصعيد منطقة دونباس بين الانفصاليين والجيش الأوكراني؛ تتويجًا للضغط التي تمارسه موسكو، في رسالة واضحة بأنه في حال كان هناك عقبات في الديبلوماسية فإن الرئيس بوتين سيذهب نحو التصعيد، لإيصال رسالة للإدارة الأميركية بأن بلاده جاهزة للحوار لكن ليس من دون مقابل.
وأضافت أن الرئيس الروسي اعتمد التصعيد منذ بداية الأزمة، ونجح نوعًا ما في تحقيق أهدافه، إذ إنه بعد رفض الأوروبيين الدخول معه في مفاوضات مباشرة حول الهندسة الأمنية لأوروبا؛ استطاع أن يدخل في محادثات ومفاوضات ثنائية مع الجانب الأميركي والظهور بمظهر القوة الدولية.
ولفتت الساحلي إلى أن هناك مفاوضات مع الجانب الأميركي والروسي، لكنها تتم عبر وساطة أوروبية ديبلوماسية بامتياز خاصة فرنسية، مشيرة إلى أن فرنسا تترأس الدور الحالي للاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي كما أنها تترأس مجموعة النورماندي.
وتابعت أن بوتين يسعى للضغط عبر القناة الفرنسية على الإدارة الأميركية وفرض أهدافه ومقارباته في إعادة الهيكلة والهندسة الأمنية لأوروبا، في حين أن المقاربة الأميركية هي تكتيكية وتعني المزيد من الشفافية حول انتشار الأسلحة النووية الروسية ووقف التسلح الروسي، ووقف تهديد الأمن والسلم الأهلي في أوروبا وفي ساحات أخرى لا سيما الشرق الأوسط.
وتوترت العلاقات بين كييف وموسكو على خلفية ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى أراضيها بطريقة غير قانونية، ودعمها الانفصاليين الموالين لها في "دونباس".
ومؤخرًا، وجهت الدول الغربية اتهامات إلى روسيا بشأن حشد قواتها قرب الحدود الأوكرانية، فيما هددت واشنطن بفرض عقوبات على موسكو في حال شنت هجومًا على كييف.