الأحد 5 مايو / مايو 2024

محاكمة "تمثيلية".. ولد صلاحي يكشف عن الوجه الآخر لسجانيه في غوانتانامو

محاكمة "تمثيلية".. ولد صلاحي يكشف عن الوجه الآخر لسجانيه في غوانتانامو

Changed

يتحدث ولد صلاحي لبرنامج "وفي رواية أخرى" عن استمرار معاناته في الزنزانة الانفرادية مع المحققين الأميركيين، ويروي كيف تحولت محاكمته إلى وسيلة لانتزاع اعترافات منه بالتعذيب.
يروي السجين رقم "760" الوجه الآخر للقصة مع جلاديه، ويسرد زاوية من الأحاديث الجانبية التي كانت تجمعه بسجانيه طيلة سنوات الاحتجاز من دون محاكمة، وفي كواليس المعتقل.

يواصل السجين الموريتاني الأشهر في معتقل غوانتانامو محمدو ولد صلاحي، في حلقة ثالثة ضمن برنامج "وفي رواية أخرى" على شاشة التلفزيون "العربي أخبار"، سرد سجل فظائع ومآسٍ عايشها طيلة 14 عامًا، عن قرب داخل سجن انفرادي بقاعدة "غوانتانامو" الأميركية العسكرية، في تجربة مريرة خلّفت جروحًا تأبى أن تندمل .

ويروي السجين رقم "760" للزميل بدر الدين الصائغ الوجه الآخر للقصة مع جلاديه، ويسرد جانبًا من الأحاديث الجانبية التي كانت تجمعه بسجانيه طيلة سنوات الاحتجاز دون محاكمة، وفي كواليس المعتقل.

ويكشف كيفية تعرّفه على أسماء المحقّقين، الذين كانوا يستعملون أسماء مستعارة أثناء التناوب على جلسات التعذيب النفسي والجسدي، وعلى رأسهم الكابتن كولينز، الذي هو في الحقيقة الاسم المستعار لريتشارد زولي، الذي كان آنذاك "عرّاب" برنامج التعذيب الممنهج خارج الأطر القانونية في معتقل غوانتانامو؛ وكان صلاحي أحد أبرز ضحاياه.

ويروي صلاحي أن أحد سجانيه الملقّب بـ"ستراتش" كان هو الآخر يطلب منه دوريًا تنظيف مكتبه مقابل حصوله على علبة مشروب غازي، وكيف توطدت العلاقة بين الجلّاد والضحية، وأصبح يجلب له أقراصًا مضغوطة تتضمّن أفلامًا، ووثائقيات لمشاهدتها بعيدًا عن أعين باقي الحراس .

أطباء نفسيون لتحطيم عزيمة المعتقلين

وكشف محمدو ولد صلاحي أن وزارة الدفاع الأميركية، انتدبت أطباء نفسيين للإشراف على جلسات التعذيب النفسي والجسدي في آن واحد، وفق نظرية "العجز المكتسب"، وهي طريقة تجعل من السجين المسلوبة حريته وإرادته يرى في المحقق كل شيء. ومن بين هؤلاء الأطباء جيمس ميتشل، وبروس جيسين اللذان استحدثا بطلب من البنتاغون برنامج التعذيب المعزّز، وشاركا مباشرة في عمليات تعذيب واستنطاق الآلاف من المعتقلين في سجون سرية للولايات المتحدة حول العالم.

يعترف السجين 760 بأن وجوده في الحجز الانفرادي طيلة سنوات لم يمنعه من إقامة علاقات وصفها بالإنسانية مع بعض جلاديه، وهنا يتذكر أحاديث جانبية له مع الحراس، أخذت طابعًا عنصريًا في بعض الأحيان عدا قلة كانوا يعاملونه كإنسان.

ويتوقّف عند نقاشات حول حوار الأديان جمعته مع أحد سجّانيه، جيسيكا كارلسون التي كانت تعاني من رهاب الإسلام، بحيث كانت لديها نظرة سيئة عن المسلمين ومعتقداتهم الدينية.

وأكد أن سجّانيه يتواصلون معه، بعد كل هذه السنوات، عبر منصّات التواصل الاجتماعي، ويعتذرون منه عن كل الإساءات التي طالته، حتى أن أحدهم زاره في موريتانيا واعتنق الإسلام.

وشدّد على أن تجربة الاعتقال في سجن غوانتانامو "كانت قاسية جدًا، وأنه حتى اليوم لا يزال يعتقد أنه فقد عقله أثناء فترة احتجازه ".

محاكمة عسكرية "تمثيلية"

وعن المسار القضائي لمحاكمته، روى صلاحي أنه التقى لأول مرة بمحامٍ، إن صح التعبير، عام 2005 عشية محاكمة عسكرية رمزية، قبل أن يُعرض على محكمة مدنية عام 2009، أي بعد مرور 8 سنوات كاملة على اعتقاله.

وفي أول محاكمة، قدّم له كبير المحقّقين ريتشارد زولي مجموعة أوراق قائلًا إن الولايات المتحدة صنّفتك "محاربًا غير شرعي" .

واستعرض ما أسماه بـ"التمثيلية التي جرت في محكمة لا تمت بالإنسانية ولا للديمقراطية التي تدّعيها الولايات المتحدة".

وبما أن المحكمة بنظره كانت مسرحية، وأحكام الإعدام فيها جاهزة مسبقًا، اختار صلاحي أن يقوم بدوره بلعبة تكسبه المزيد من الوقت.

وقال: "أخبرني زولي بضرورة الاعتراف بكل التهم الموجّهة لي أثناء مثولي أمام هيئة المحكمة العسكرية، وسمح لموظف في البنتاغون، وهو من سيلعب دور المحامي لاحقًا، بلقائي. وكان من مصلحته أن يضمن حكم الإعدام ضدي، لأن هيئة المحكمة كانت متواطئة معه".

وأُحضر صلاحي إلى قاعة المحكمة العسكرية، مغمض العينين ومكبّل اليدين. وبعد الإجراءات القانونية، طرح عليه القاضي سؤالًا مباشرًا: "هل تعرّضت للتعذيب؟".

روى صلاحي أنه أجاب بالنفي، حتى لا يتعرّض للتعذيب مرة أخرى إذا ورّط زولي وفريق التحقيق في سجن غوانتانامو، مضيفًا: "أخبرتني هيئة المحكمة أن الحكم الذي ستصدره بعد المداولات غير ملزم، وأن زولي هو من يحدد إن كنت عدوًا لأميركا أم لا".

قلب المحاكمة رأسًا على عقب

وتطرّق إلى دور ستيوارت كارتي، وهو المدعي العسكري، في "قلب معادلة المحاكمة رأسًا على عقب لصالحه"، مضيفًا أنه "في لحظة صحوة ضمير، واجه هيئة المحكمة بالقول إنني اعترفت تحت التعذيب، ولا يوجد أي دليل لإدانتي".

وأوضح صلاحي أن المدعي العسكري دخل في مشادات كلامية مع زولي "الذي رفض طلب كارتي بلقائي، للاطلاع على ظروف اعتقالي، وملابسات اعترافاتي التي كانت تحت التعذيب".

تفاصيل من سجن غوانتانامو
يروي السجين الموريتاني الأشهر في معتقل غوانتانامو لـ"العربي" تفاصيل سجنه

وبعد مسار دراماتيكي في المحكمة، كان صلاحي يواجه في تلك الأثناء عقوبة الإعدام، ولم يصدر حكم ببراءته إلا عام 2010، على يد القاضي جيمس روبنتسون بعد اقتناع هيئة المحكمة بأن كل اعترافات السجين 760 كانت تحت التعذيب، وهو ما شكّل سابقة في القضاء الأميركي في ذلك الوقت .

قصتي هي الوجه الآخر للظلم

بالعودة إلى كواليس المحاكمة، شرح صلاحي أنه قرّر من دون سابق إنذار، الإدلاء بشهادته أمام هيئة المحكمة رغم تحذيرات هيئة دفاعه، وأنه كان يجيب على أسئلة المحكمة بنعم أو لا فقط.

وأضاف أن الغريب هو أن حكم المحكمة بالبراءة الذي صدر عام 2010، لم يطبّق إلا بعد ست سنوات.

وأشاد صلاحي بموقف القاضي الذي "كسر صمت القاعة، عقب مقاطعته سيل أسئلة المدعي العام التي اعتبرها خارج الإطار ومستفزة، وأن لا علاقة لها بالموضوعية وتخالف قوانين الولايات المتحدة".

وقال: "إن قصته هي الوجه الآخر للظلم الذي تعرّض له على مدار 14 سنة".

وقبيل إطلاق سراحه بأشهر، تشبّثت وزارة الدفاع الأميركية بروايتها أن محمدو ولد صلاحي إرهابي يشكّل خطرًا على أمن الولايات المتحدة.

وروى صلاحي، المعتقل السابق في معتقل غوانتانامو، أن احدى المحققات الأميركيات في فريق التعذيب الخاص بزولي، قالت له أكثر من مرة إن "أمثالك لا يحق لهم حتى التنفّس، ويجب أن تُقتل".

والمفارقة روى أنه في سنة 2021، هاتفه أحد الصحافيين وأرادت هذه المحقّقة طرح سؤال عليه، لكن صلاحي رفض، موضحًا أنها "كانت أول مرة يستطيع فيها أن يرفض طلبًا لمحقّقة  أميركية كانت تستنطقه تحت التعذيب كل يوم ولسنوات، وهو ما اعتبره بمثابة انتصار له".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close