وصل الحماس والاندفاع بأقلام تركية محسوبة على السلطة السياسية في رسم مشهد التفاؤل، والرهان بقدوم مرحلة جديدة من العلاقات التركية المصرية، إلى الحديث عن تحالف استراتيجي مرتقب بين القاهرة وأنقرة، يقلب كل المعادلات الإقليمية رأسا على عقب. كل ما يقال في الجانب التركي، ويكرّر باستمرار منذ أشهر، هو استعداد تركيا لفتح صفحة جديدة من الحوار والمصالحة مع مصر، وإن البلدين قد يتفاوضان على ترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط، إذا سمحت العلاقات بينهما بمثل هذه الخطوة.
في المقابل، وباستثناء ما قاله وزير الخارجية المصري، سامح شكري، قبل فترة "إذا لم تكن الأحاديث والتصريحات متفقةً مع السياسات على الأرض فهي ستكون بلا قيمة"، لم نشاهد موقفا مصريا جديدا يتعامل مع التصريحات التركية المكثفة التي تطارد القيادة المصرية، وتحاول محاصرتها بقبول دعوات الحوار والتفاهم. الواضح أن القاهرة لن تنسى بمثل هذه البساطة ما قيل لها قبل سنوات "عادت مصر إلى الوراء خمسين عاما على أقل تقدير، بسبب الانقلاب الذي قام به الجيش"، حتى ولو قيل لها بعد ذلك "الجيش المصري عظيم، ونحن نحترمه كثيرا، لأنه جيش أشقائنا". تسعى القاهرة جاهدة لمعرفة أسباب (ومغزى) التصريحات التركية الهادئة، والمهادنة على غير العادة حيال مصر والعلاقات معها، وتسعى أنقرة إلى معرفة أسباب هذا الصمت والتعتيم المصري على كل الرسائل الانفتاحية التي وجهتها القيادات السياسية منذ أشهر من دون رد. وليس معروفا بعد ما إذا كانت قنوات الاتصال بين البلدين قد نجحت في تجاوز العقبة الأولى والأهم، تحطيم حاجز الحذر والتخوف، لكن القاهرة تقول إن أنقرة هي من يتحمّل مسؤولية إيصال الأمور إلى هذه الدرجة من التوتر. لذلك عليها الأخذ بالشروط المسبقة التي لا مفر منها. ما الذي ستقدّمه تركيا لمصر، والذي سيكون كافيا لإقناعها بتغيير المواقف والسياسات في العلاقات التركية المصرية؟