الخميس 5 ديسمبر / December 2024
Close

التوتر بين الجزائر والمغرب.. ما تداعيات "القطيعة" على الملفات الساخنة؟

التوتر بين الجزائر والمغرب.. ما تداعيات "القطيعة" على الملفات الساخنة؟

شارك القصة

الخط
تبدو القطيعة ثقيلة على الملفات الساخنة في المنطقة، وفي مقدّمتها التطورات بشأن ملف الصحراء المتنازع عليها بتعيين مبعوث أممي جديد لها، والمسار السياسي الليبي.

دخلت العلاقات الجزائرية المغربية نفقًا جديدًا مع إعلان الجزائر "قطيعة دبلوماسية"، برّرتها بتراكم "سلوك عدائي" ضدّها من قبل جارتها الغربيّة، بحسب ما صرّح وزير خارجيّتها.

وأبدت الجزائر رفضها القاطع لأي وجود إسرائيلي في المنطقة، واتهمت المغرب بجعل أراضيه قاعدة خلفية لتهديد أمنها القومي، في إشارة إلى تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي ضدّها من الرباط بحضور نظيره المغربي.

في المقابل، نفى المغرب كلّ الاتهامات الموجّهة إليه، وقال إنّ الخطوة الجزائرية أحادية الجانب، معتبرًا أنّ قرار القطيعة مبنيّ على مبرّرات وصفها بيان الخارجية المغربية بالزائفة والعبثية ورفضها بشكل قاطع.

لكن، كيف يمكن تقييم الأسباب التي ساقتها الجزائر لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب؟ وما هي تداعيات القطيعة الدبلوماسية على الشعبين الشقيقين وعلى الملفات الإقليمية الساخنة، لا سيما الملف المغربي؟

وأبعد من هذا وذاك، أين تقف الدول العربية والقوى الغربية من خلاف الأشقاء؟ وهل من فرص لجمع شمل الجارتين حول طاولة الحوار؟

"طاولة حوار" لمراجعة العلاقات ورأب الصدع

جاءت القطيعة بين الجارتين محصّلة لزيادة منسوب التوتر بينهما في الأشهر الأخيرة، الذي بلغ ذروته بعد تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الإسرائيلي من الرباط حول "قلقه" من الدور الجزائري في المنطقة وما وصفه بالتقارب الكبير للجزائر مع طهران.

وتبدو القطيعة الدبلوماسية ثقيلة على الملفات الساخنة في المنطقة، وفي مقدّمتها التطورات الجديدة بشأن ملف الصحراء المتنازع عليها بتعيين مبعوث أممي جديد لها، والمسار السياسي الليبي، إذ تحتضن الجزائر هذا الأسبوع حوارًا لدول الجوار لدعم تنظيم انتخابات ليبية في أوانها.

وعلى خط الملف الليبي الذي يحظى باهتمام إقليمي ودولي، سرعان ما تواترت دعوات للطرفين بالتهدئة وتجنّب التصعيد وتقديم استعدادات لدعم أي مبادرة للحوار لا سيما الرياض وباريس وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي والأمانة العامة للاتحاد الإفريقي.

وفي النتيجة، تتعارض الرؤى السياسية في البلدين الشقيقين في أكثر من ملف، لكنّ طاولة الحوار قد تجرّ الطرفين إلى مراجعة العلاقات جذريًا ورأب صدع وقف لسنوات حاجزًا أمام تناغم مغاربي حقيقي سياسيًا واقتصاديًا.

"علاقات أزمة".. ما دور إسرائيل؟

ويشير أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية محمد عمرون إلى أنّ وزير الخارجية الجزائري في بيانه الصحفي عدّد مجموعة من الأسباب التي دفعت الجزائر إلى قطع علاقاتها مع الجارة المغرب.

ويلفت عمرون، في حديث إلى "العربي"، من الجزائر، إلى أنّ العلاقات الجزائرية المغربية منذ 1962 كانت علاقات أزمة، "لكن هذه المرّة ثمّة أسباب رئيسية دفعت الجزائر إلى اتخاذ هذا الموقف غير المسبوق".

ويشير في هذا السياق إلى مذكرة عمر هلال مندوب المغرب في نيويورك "عندما تجاوز كل الخطوط الحمراء ودعا صراحة إلى تقرير مصير منطقة في الجزائر"، على حدّ تعبيره، مضيفًا: "هذا يُعتبَر عدوانًا على دولة سيدة حدودها معروفة في الأمم المتحدة".

ويتطرق عمرون كذلك إلى تطبيع المغرب مع الكيان الصهيوني، حيث يؤكد أنّ الجزائر لا تتدخّل في الشأن الداخلي للمغرب، "لكن أن يصبح هذا الكيان مهدّدًا للأمن القومي في الجزائر من خلال ما سمعناه في زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي" هو المشكلة.

ويضيف: "فهم صانع القرار الإسرائيلي وجود تواطؤ مغربي صهيوني لإيذاء الجزائر"، لافتًا إلى أنّ الجزائريين لديهم فرضية سياسية تقوم بأنه "كلما تحسنت العلاقات المغربية الإسرائيلية كلما ساءت العلاقات الجزائرية المغربية".

خيار القطيعة "خاطئ ومتسرّع"

في المقابل، يعتبر مدير مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات إدريس لكريني أنّ خيار القطيعة هو خيار خاطئ، مشيرًا إلى أنّ المبررات التي سيقت في محاولة لتبريره هي واهية وغير موضوعية.

ويوضح لكريني، في حديث إلى "العربي"، من مراكش، أنّ تصريح عمر هلال في الأمم المتحدة الذي يتمّ التركيز عليه هو ردّ فعل وليس فعلًا، شارحًا أنّه رد على إقحام نقاش مرتبط بقضية الصحراء في مناسبة لا علاقة لها بالموضوع.

ويلفت إلى أنّ موقف المغرب الرسمي تجسده المؤسسة الملكية التي أكدت في آخر خطاب للعاهل المغربي أنه لا يمكن للجزائر أن تُمَسّ بسوء من قبل المغرب.

وفيما يلفت إلى "الرد السلبي الجزائري من فتح الحدود وتعزيز العلاقات"، يذكّر بأنّ الملك محمد السادس كان قد دعا قبل سنوات أيضًا، الجزائر إلى إحداث آلية لتجاوز الخلافات، "ولكن مع الأسف لم يكن هناك ردّ".

ويخلص إلى أنّ خيار القطيعة غير مربح، "وكان من الأفضل التأنّي وفتح قنوات الحوار"، مشدّدًا على أنّ "الأمر كان فيه نوع من التسرّع".

ما موقف تونس من التوتر المغربي الجزائري؟

أما أستاذ التاريخ السياسي المعاصر في جامعة منوبة عبد اللطيف الحناشي، فيشير إلى أنّ العلاقات المغربية الجزائرية تستمد جذورها من أواخر الأربعينيات في ظل حركة التحرر الوطني ولا سيما في مكتب المغرب العربي في القاهرة ولجنة تحرير المغرب.

ويلفت، في حديث إلى "العربي"، من تونس، إلى حدث هام جدًا وقع سنة 1956 عندما تمّ إنزال الطائرة المغربية التي كانت تحمل قيادات الثورة الجزائرية آنذاك واتهمت الجزائر المغرب بالتعاون مع الحكومة الفرنسية.

ويقول: "منذ تلك اللحظة بدأت التوترات التي وصلت إلى ذروتها مع حرب الرمال ثم الذروة القصوى في مسألة الصحراء ولا سيما اعتراف الجزائر بالبوليساريو، وهذا الحدث هو الذي ساهم بشكل واسع وعميق لتوتر العلاقات منذ تلك اللحظة".

وفيما يأسف أسفًا عميقًا لما يجري الآن بين الجزائر والمغرب، يذكّر كيف أنّ "الزعيم الحبيب بورقيبة عند خلافه مع الجزائر تنازل عن جزء هام من الأراضي التونسية لصالح الجزائر لأنه كانت لديه رؤية استراتيجية أن العلاقة بين الشعبين هي علاقة عميقة".

لكنّه يعتبر أنّ الأمر مختلف بالنسبة للعلاقات المغربية والجزائرية، لافتًا إلى تداخل عوامل أخرى ليست محلية ولا إقليمية وإنما دولية، ويخلص إلى أنّه لا يمكن فصل ما يجري الآن على المنطقة ككل وما يحدث فيها من تحولات سواء في ليبيا أو تونس أو غيرها بل حتى في منطقة المتوسط.

تابع القراءة
المصادر:
العربي