الإثنين 22 أبريل / أبريل 2024

الدولة الأموية.. هل كانت ولادة جديدة أم انحرافًا عن الحكم الرشيد؟

الدولة الأموية.. هل كانت ولادة جديدة أم انحرافًا عن الحكم الرشيد؟

Changed

تناولت حلقة "قراءة ثانية" دور الأمويين في تأسيس الدولة في الإسلام والقراءات التاريخية حول حكمهم (الصورة: العربي)
تحاول الحلقة الجديدة من "قراءة ثانية" الإجابة عن سؤال مركزي وهو "هل كان حكم بني أمية تأسيسًا جديدًا للدولة في الإسلام أم انحرافًا عن مسار الشورى؟".

انقسم المؤرخون والدارسون حول دور الدولة الأموية ومكانتها في تاريخ العرب والمسلمين بين تأسيس جديد للدولة في الإسلام والفتوحات التي استأنفتها لتجديد شباب الدولة، وبين نهاية لمشروع الدولة الذي جاء به الإسلام ومارسته الخلافة الراشدة وانحرفت به إلى حكم الغلبة والعصبية القبلية والتوريث.

وفي ظل هذا، فهناك قراءتان سائدتان عن الدولة الأموية، وهما الانتقال من الشورى إلى الملك العضوض والحكم الوراثي، والانتقال من الدولة الفكرة إلى الدولة القوية الجامعة التي تفرض سطوتها على مكوناتها المختلفة.

وتحاول حلقة "قراءة ثانية" الإجابة عن سؤال مركزي وهو "هل كان حكم بني أمية تأسيسًا جديدًا للدولة في الإسلام أم انحرافًا عن مسار الشورى والحكم الرشيد إلى الغلبة والعصبية القبلية والتوريث؟".

التمهيد للدولة الأموية في الشام

يعد معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية وأحد أبرز الشخصيات السياسية في تاريخ العرب والمسلمين. وقد اختلف المؤرخون حوله قديمًا وحديثًا بين فريق يراه القائد الذي أنقذ الدولة الإسلامية من خطر التفتت، وآخر يعتبره مؤسسًا لدولة الاستبداد العربي التي بدأت معه واستمرت حتى العصر الحديث.

في كتابه "معاوية بن أبي سفيان: مؤسس الدولة الأموية في الميزان" يقول عباس محمود العقاد: "ما كان أحد ليطمع في بقاء عصر الخلافة على سنّة الصدّيق والفاروق أبد الآبدين ودهر الداهرين؛ لأن اطراد النسق من ولاة الأمر على هذه الطبقة العليا من الخلق والتقوى أمر تنوء به طاقة بني الإنسان. فما كان دوام الخلافة الصديقية أو الفاروقية بمستطاع على طول الزمن، وما كان قيام الملك بعد الخلافة بالأمر الذي يؤجَّل إلى زمن بعيد".

بدأ التمهيد للدولة الأموية في الشام قبل الإسلام بجيلين متعاقبين وكانت الشام قبل ذلك سوقًا عامة لقريش، تأتيها قوافل الصيف بتجارة الحجاز في حراسة الرؤساء من بيت مناف وأبرزهم قبل الإسلام هاشم بن عبد مناف. وكان بنو أمية ينافسون بني هاشم على الرئاسة واحتكما إلى الكهّان على عادة العرب، على أن يكون للغالب حق إجلاء المغلوب عن مكة عشر سنوات وربح هاشم وهاجر أمية إلى الشام.

العربي

مات هاشم وانشغل أولاده بالرئاسة الدينية إلى جوار الكعبة، وانتقلت حراسة القوافل إلى بني أمية. وعمل الأمويون على توثيق علاقاتهم برؤساء القبائل التي تقيم على الطريق إلى الشام أو بالقرب منها وتمتع عثمان بن عفان بمكانة كبيرة لدى رؤساء الدولة البيزنطية في الشام، وكان يساعدهم في خلافهم مع العرب الغساسنة الذين كانوا يميلون أحيانًا إلى فارس في حربهم ضد بيزنطة.

كما اقترب الأمويون من بني كلب، أقوى القبائل في الشام وأشدها خطرًا على الغساسنة، الأمر الذي تطور بعد الإسلام إلى تحالف سياسي حيث أصهر إليهم ثلاثة من أبرز الأمويين هم عثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان وسعيد بن العاص. كذلك كان أبو سفيان على صلات وطيدة برؤساء بيزنطة.

الصراع ونشوب "الفتنة الكبرى"

وحاز الأمويون ثقة النبي (ص) في حكم الولايات التي تقع على طريق التجارة إلى الشام، فولى عمرو بن سعيد بن العاص على تيماء وخيبر وتبوك وفدك، وسار أبو بكر على هذه السنّة فاختار يزيد بن أبي سفيان قائدًا لجيش من جيوش الحملة على الشام وولاه بعض أقاليمها بقية حياته. وكانت وفاته في عهد عمر بن الخطاب فجرى على السنّة نفسها وعهد بالولاية إلى أخيه معاوية.

كما ولى الفاروق معاوية ولاية من الشام فضم إليه عثمان سائر الشام وألحق به أقاليمها من الجزيرة إلى شواطئ بحر الروم.

واستمر معاوية في حكم الشام عشرين سنة حتى اغتيال عثمان بن عفان، فلم يبق فيها من ينازعه أو يعصيه. وأوشكت أن تتحول على يديه إلى مملكة مستقلة.

وبعد مقتل عثمان انقسمت الدولة إلى قسمين أحدهما لا خلاف فيه وهو الشام حصة معاوية والآخر لا وفاق فيه وهو حصة عليّ من الحجاز والعراق وقد تدخل مصر فيها حينًا وتخرج منها أحايين، ثم نشب الصراع بينهما فيما عُرف بـ"الفتنة الكبرى" وحاول الخوارج اغتيال علي ومعاوية وعمرو بن العاص، فنجحت محاولة اغتيال علي وفشل اغتيال معاوية وعمرو بن العاص ما فتح الطريق أمام معاوية إلى الخلافة وتأسيس دولة بني أمية.

هل يمثل نظام معاوية انحرافًا للنموذج الإسلامي؟

كانت دولة النبي (ص) في المدينة المنورة ومن بعده دولتي أبي بكر وعمر نماذج مثالية واستثنائية في تجربة الحكم والسلطة سواء في تاريخ العرب والمسلمين أو في التاريخ الإنساني كله.

ومع اتساع رقعة الدولة نتيجة الحروب والفتوحات واجه النموذج الراشدي المحلي تحديات جديدة أسفرت عن ثورات وقلاقل واغتيالًا للخليفة عثمان بن عفان ثم صراع على السلطة بين علي ومعاوية ومحاولة لاغتيالهما معًا. وهو ما استدعى بدوره التحول عن نموذج الخلافة الشوروية إلى آخر مقتبس من التجارب السياسية في الجوار الإسلامي، وهو ما ينقسم الباحثون بشأنه، بين فريق يراه انحرافًا عن النموذج الإسلامي الحقيقي في زمان النبي وصاحبيه أبي بكر وعمر، وآخر يراه امتدادًا لهذا النموذج يتفق في الأصل والمنهج ويختلف في التفاصيل التي تتغير باختلاف الزمان والمكان.

العربي

وفي كتابه "مفهوم الدولة الإسلامية: أزمة الأسس وحتمية الحداثة" يقول محمد جبرون: شكلت الفتنة – التي عاناها المسلمون بعد اغتيال الخليفة عثمان، وإلى أن استتب الأمر لمعاوية بن أبي سفيان، بكل عنفها وصداماتها العسكرية، مخاضًا عسيرًا لميلاد شرعية سياسية أخرى أنقذت الدولة الإسلامية من الانهيار التام، أو على الأقل أنقذتها من الانقسام المبكر إلى دول متعددة معوضة "شرعية المدينة" التي هيمنت طوال مدة الخلافة الراشدة. وتجلت الإرهاصات الأولى لولادة هذه الشرعية في خروج الإمام علي من المدينة نحو الكوفة، بحثًا عن النصرة، وخروج أم المؤمنين وطلحة والزبير إلى البصرة للغرض نفسه، وتحصن معاوية بالشام.

ويضيف: يرجع اختيار هؤلاء، المتصارعي الأطراف (الكوفة، والبصرة، والشام) كقواعد انطلاق لتحقيق مطالبهم وطموحاتهم، أو الدفاع عن شرعياتهم، إلى مخزون القوة الذي كانت تمثله هذه الأطراف لكل منهم، والذي راهنت عليه القوى المتنافسة لحسم المعركة لمصلحتها، فما عادت الأوصاف الأخلاقية والمؤهلات الشرعية وبيعة الخاصة كافية لتسليم الأمّة إلى الإمام، بل يحتاج مع هذا كله إلى القوة والشوكة، الشيء الذي لم تمنحه المدينة لعلي، كما لم تمنحه مكة لكتلة عائشة وطلحة والزبير، بينما كان معاوية بن أبي سفيان أفضلهم حالًا، بحكم السند الشامي القوي والثابت.

ويرى جبرون أنّ شرعية الأمة التي كانت تتمتع بها الدولة الإسلامية، استنادًا إلى شرعية المدينة، انتهت مع بيعة عليّ، وظهور زعامات سياسية جديدة خارج المدينة لا تخفي رغبتها في الحكم والإمارة، أمثال الزبير بن العوام وطلحة ومعاوية بن أبي سفيان، ومن ثم، فالإشكال السياسي الذي عانته الدولة الإسلامية في هذه الفترة، يتمثّل في الاعتراض العملي الذي أبدته الأمصار على استئثار المدينة ببيعة الخلفاء، ومبادرة كل منها إلى بيعة خليفة يرضيها. وبدأ هذا الأمر بوضوح مع بيعة عليّ واستمر وتوسع مع الخلفاء الذين جاءوا بعده، وعلى رأسهم الحسن بن عليّ ومعاوية بن أبي سفيان، الأمر الذي هدد وحدة الدولة الإسلامية، وعرّضها لخطر الانشقاق والتمزق باكرًا.

العربي

هل كان حكم بني أمية تأسيسًا جديدًا للدولة في الإسلام؟

وتعليقًا على ذلك، تعتبر أستاذة التاريخ الإسلامي في جامعة تونس حياة عمامو أنّ الدولة الأموية هي "مواصلة لما يسمى بالخلافة الراشدة"، مشيرة إلى أنّ جذور هذه الدولة "بدأت بالبروز منذ عهد عمر بن الخطاب".

وترى في حديث إلى "العربي" من تونس، أن الفتوحات الكبرى التي حصلت في عهد عمر بن الخطاب "أدت إلى تراكم الثروات وبروز الارستقراطية".

وعلى الرغم من اختلاف القراءات الإسلامية حول رأيها، تشير عمامو إلى أن "نواة الدولة التي أسسها عمر بن الخطاب كانت تقوم على التمايز بين المسلمين بحكم الزمن الذي أسلموا فيه"، بحسب قولها.

وإذ تعتبر أنّ "مناطق الثروة في ذلك الوقت كانت مركزة في مناطق الحجاز والمناطق التي شهدت فتوحات مرورًا بالعراق والشام وغيرها"، تشير إلى أنّ هذا الوضع الذي كان سائدًا في تلك المرحلة "أدى إلى وجود صراعات داخلية أفرزت نوعًا جديدًا من الدولة".

وتلفت إلى عدم صحة الرأي القائل بأن "الدولة الأموية تأسست للقطع مع الخلافة الراشدة لأنها أسست لحكم التوريث"، معيدة التأكيد على أنها تأسست مواصلة للخلافة الراشدة.

العربي

هل كان معاوية "شديد العنف" ضد منتقديه؟

وحول الحديث عن وجود "قطيعة" وتأسيس جديد، ترى الأستاذة في التاريخ الإسلامي أن الأمر يتعلق أساسًا بـ"البيعة" والتي كانت تضمن حق الأمّة لدى الخلفاء "وأن هؤلاء جاءوا لحماية حقوق المسلمين الذين أسلموا قبل والتحق بهم مسلمين آخرين".

وتشير إلى أنّ البيعة ابتداء من العهد الأموي "أصبحت تطالب المبايعين بالطاعة المطلقة للخليفة أو الحاكم"، معتبرة أن هذه النقطة الأساسية في الاختلاف بين السلطتين بما أنّ الدولة في العهد الراشدي "ما زالت لم تكتمل كلها أو مفتقدة لوسائل العنف التي كانت تمارسها لفرض سلطتها والدولة الأموية مثلما ستتأسس مع معاوية بن أبي سفيان وستكتسح شيئًا فشيئًا وسائل العنف التي كانت تمارسها على كل منتقديها".

وتحبذ عمامو وصف معاوية بن أبي سفيان بـ"معاوية الحليم" ولا تميل إلى وصفه بـ"مؤسس الليبرالية" لأن الأخيرة تستوجب الحرية التي كانت غير موجودة في ذلك الزمن، حسب قولها.

وترى أنّ معاوية بن أبي سفيان رغم "حلمه" ضد معارضيه "قام بفظاعات ضد حجر بن عديّ الذي قتل هو وأصحابه في مرج عذراء"، معتبرة أن هذا الحدث لامته عليه أم المؤمنين عائشة. إضافة إلى "الحملة الشرسة" التي قام بها هو وولاته على المنابر ضد علي بن أبي طالب".  

وتؤكد أنه على الرغم من أن هذا كله ليس ثابتًا تاريخيًا إلا أنه يقال عن معاوية. وتشير إلى أنّ معاوية "لم يكن شديد العنف كما أصبح شأن أبو جعفر المنصور وعبد الملك بن مروان".

وترى أن معاوية "يبدو أنه يمثل المرحلة الانتقالية بين السلطة التي كانت في خدمة الرعية والمسلمين والمؤمنين بشكل عام والسلطة التي ستتحول إلى سلطة على هؤلاء المؤمنين".

العربي

هل تغيرت فكرة الدولة بعد قيام "النظام الوراثي"؟

من جهته، يتفق أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة الكويت د. عبد الهادي العجمي مع ما طرحته عمامو حول الدولة الأموية، موضحًا أنّ هذا الأمر تمت مناقشته في القرن الثاني من الإسلام، وأن فكرة الدولة "تغيرت" بعد قيام النظام الوراثي مع وجود احتجاجات على الدولة الأموية.

ويشير في حديث إلى "العربي" إلى وجود ثلاث عواصم في هذه الدولة هي "المدينة والكوفة ودمشق" حيث كانت عاصمة الأمويين هي دمشق والمدينة هي عاصمة عليّ والتي أنتجت نمطًا جديدًا من الحكم. ويرى أن عاصمتي الكوفة ودمشق تم إنشاؤهما على إمبراطوريات سابقة.

ويلفت إلى أنّ "أهل المدينة هم من كتبوا التاريخ الإسلامي وأن مدرسة المدينة هي التي شكلت المذاق العام لما يعرف باسم الدولة". ويرى أن حالة النقد للأمويين لها ارتباط بمركزية المدينة في الفعل بدرجة أولى ووضعها كعاصمة قديمة".

ويعتبر أنّ فكرة "الخلفاء الراشدين وأن لديهم نظامًا مختلفًا عن المنظومة المستمرة هي من صناعة المدينة" لا سيمّا أن المدينة في تلك الفترة كانت ترى أنها تمتلك نظامًا مغايرًا للحكم عن ما هو موجود في الكوفة ودمشق.

ويشير إلى أن هناك شبكات في العواصم من زعماء وشخصيات نافذة وتجار ورجال دين، وأن هؤلاء الأخيرين شكلوا "عصبية للمدينة" حيث أصدروا أحكامًا على قضايا أخلاقية ودينية وسياسية وأن انعكاس هذا الأمر في التاريخ كان في الموقف من الخلفاء الراشدين والحكم في المدينة.

ويرى أن الانتقال إلى العواصم الجديدة في تلك المرحلة "ولّد استخدام بيروقراطية جديدة جدًا ومرتبطة بالممالك القديمة، حيث أصبح النقد بها سهلًا لأنها طورت أدواتها واستخداماتها الحديثة".

ويلفت إلى أنّ فكرة القائلة بأن منظومة الأمويين كانت مغايرة هي "فكرة مختلقة" على الرغم من التطور الذي كان في أدواتهم البيروقراطية، مشيرًا إلى أن "أدوات دولة عمر البيروقراطية كانت تختلف عن دولة أبو بكر". كما يخلص إلى أنّ "معاوية كانت لديه طبقة واسعة جدًا من البيروقراطيين من البيروقراطية البيزنطية".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close