الثلاثاء 23 أبريل / أبريل 2024

بدأت منذ 8 سنوات.. هذا هو سر "شراسة" المقاومة الأوكرانية

بدأت منذ 8 سنوات.. هذا هو سر "شراسة" المقاومة الأوكرانية

Changed

تقرير عن المتطوعين ودورهم في الحرب الأوكرانية (الصورة: رويترز)
لعبت إصلاحات اللامركزية التي تمّ تبنيها بعد ثورة الميدان عام 2014 التي أطاحت بحكومة فيكتور يانوكوفيتش المدعومة من روسيا دورًا محوريًا في بناء الوحدة الوطنية.

منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، واجهت القوات الروسية مقاومة عسكرية شرسة، ومقاومة اجتماعية تمثّلت في احتشاد الأوكرانيين ليس فقط لدعم رئيسهم فولوديمير زيلينسكي، ولكن أيضًا للدفاع عن رؤساء البلديات المحليين ومجالس المدن المنتخبة، الذين قضى بعضهم على يد القوات الروسية على غرار أولغا سوكينخو، رئيسة بلدية موتيجين القريبة من كييف، وأفراد عائلتها، فيما نجا بعضهم الآخر على غرار إيفان فيدوروف عمدة مدينة مليتوبول.

وكشفت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية أن "الشعور القوي بالهوية المدنية المحلية، يمثّل العمود الفقري للدفاع عن النفس في البلاد، ويساعد في تفسير سبب استعداد الكثير من الأوكرانيين، وخاصة الناطقين بالروسية، للدفاع عن مجتمعاتهم ضد الهجوم الروسي".

واعتبرت أنه ليس من قبيل الصدفة أن تتمتّع الحكومات المحلية بهذا القدر من السلطة، إذ لعبت إصلاحات اللامركزية التي تمّ تبنيها بعد ثورة الميدان عام 2014 التي أطاحت بحكومة فيكتور يانكوفيتش المدعومة من روسيا دورًا محوريًا في بناء الوحدة الوطنية.

وأشارت إلى أن تفويض السلطة إلى البلديات المحلية سهّل إيجاد قدر أكبر من التماسك الاجتماعي من خلال تحويل الهويات العرقية المتنافسة إلى فخر مجتمعي إيجابي، إذ أعطت الحكومة اللامركزية الأوكرانيين الإحساس بأنهم يبنون بلدهم.

وعلى الرغم من أن الديمقراطية كانت سمة مميزة لأوكرانيا منذ حصولها على الاستقلال عام 1991، إلا أن السلطة غالبًا ما كانت تتركّز في أيدي قلّة من الناس. وبحلول عام 2014، كانت البلاد غارقة في الفساد. وسيطرت القلّة على الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام. عقدان من الاستقلال جعلا أوكرانيا واحدة من أفقر البلدان في أوروبا. ويعتقد العديد من الأوكرانيين -وخاصة الشباب- أن إقامة علاقات أوثق مع أوروبا والابتعاد عن روسيا من شأنه أن يولّد الازدهار والانفصال عن الماضي.

وفي أعقاب ثورة الميدان، سعى الأوكرانيون إلى إصلاح حكومتهم، وجعلها أكثر استجابة للشعب. ظهر جيل جديد من السياسيين يطالب بوضع حد للفساد الراسخ. كما ركّزت الإصلاحات على الحاجة إلى عمليات شراء أكثر شفافية ولا مركزية وخاضعة للمساءلة. واعتقد المواطنون أن الاستخدام الأكثر كفاءة للموارد والميزانيات على المستوى المحلي من شأنه أن يحسّن مكانة الدولة. وشعر الأوكرانيون بالعجز عن القضاء على دور الأوليغارشية، لكن يمكنهم تولي الحكم المحلي بأيديهم.

بداية اللامركزية

واعتبرت المجلة أن طريق أوكرانيا نحو اللامركزية  كان "خلاقًا وفريدًا"، وبدلًا من اللامركزية القادمة من الأعلى، سمح قانون جديد عام 2015 للمجتمعات بالتنظيم الذاتي في وحدات محلية جديدة تسمى "الهرومادا" (hromadas).

وعزّزت انتخابات "الهرومادا" المحلية  بين عامي 2015 و2020 هذا الإصلاح، حيث انتخب السكان رؤساء بلدياتهم وقيادتهم المحلية من داخل المجتمعات الجديدة.

وقبل هذه الإصلاحات، كانت معظم الإيرادات تذهب إلى الحكومة المركزية. لكن الآن، يبقى 60% من الإيرادات المحلية على المستوى المحلي.

وهكذا، حوّلت اللامركزية في أوكرانيا الحكم من خلال السماح للسلطات المحلية بالاحتفاظ بمزيد من الموارد، وإنفاقها بشكل أكثر إنتاجية على البنية التحتية ورفاهية المجتمعات الأصغر. وهذه الأنشطة كانت تسيطر عليها الحكومة المركزية، التي كانت غير فعّالة، إن لم تكن فاسدة.

إلى جانب القدرة على التحكم في الإيرادات، أدخلت أوكرانيا عمليات الموازنة التشاركية التي سمحت للمواطنين بأن يكون لهم رأي أكبر في كيفية إنفاق الموارد. وقد أدى هذا إلى جعل الناس أكثر فخرًا ورضًا عن الخدمات المحلية، وولّد دعمًا أكبر للإصلاح نفسه.

الدفاع التطوّعي

بعد الهجوم الروسي على شبه جزيرة القرم ولوغانسك ودونيتسك عام 2014، عرف الأوكرانيون أن الفساد وضعف الدولة قد أضعفا الجيش الأوكراني، الذي كان أداؤه ضعيفًا بسبب تدريبه المتواضع وافتقاره إلى الأسلحة والدروع.

وإدراكًا منهم لضعف الجيش، تولّى الأوكرانيون زمام الأمور بأنفسهم، وشكلوا ألوية متطوعين. وتمكّنت هذه الألوية المحلية من الدفاع عن الأراضي لأنها تتألف من متطوّعين يقاتلون من أجل مجتمعاتهم، وإدراكًا منه لقوتها والحاجة إلى إصلاح الجيش، قام الرئيس السابق بيترو بوروشينكو بدمج هذه الوحدات اللامركزية ذاتية التنظيم في وزارة الدفاع من خلال فرع جديد يسمى قوة الدفاع الإقليمية.

وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، وبينما كان العالم بأسره يُراقب القوات الروسية تتجمّع على حدود أوكرانيا، دخلت القوانين الجديدة المتعلّقة بالمقاومة الوطنية حيز التنفيذ. وأدخلت هذه القوانين، التي وقّعها زيلينسكي في صيف عام 2021، نظامًا لإعداد السكان للمقاومة الوطنية. وسمح لمقاتلي المقاومة المدنيين في البلاد بالتدريب والاستعداد لحرب محتملة قبل الهجوم الروسي.

وفي إطار عملية إعادة التنظيم هذه، تمّ تشجيع المدنيين ذوي الخبرة العسكرية القليلة أو المعدومة على الانضمام إلى هذه القوات المحلية التي سيشرف عليها أفراد الخدمة النظامية.

وبعد الهجوم الروسي في 24 فبراير/ شباط الماضي، قام زيلينسكي بتنشيط هذه الوحدات، وبدأ بتوزيع الأسلحة على المتطوّعين في جميع أنحاء البلاد.

وحاليًا، يوجد 110 آلاف شخص في قوات الدفاع هذه. ومع القدرة على التعبئة بسرعة، ووضع الإستراتيجيات الدفاعية بشكل خاص بكل وحدة، فقد لعبوا دورًا أساسيًا في الدفاع عن البلدات والمدن ضد القوات الروسية.

إعادة الإعمار

تُظهر أوكرانيا أن مزيجًا من الديمقراطية واللامركزية يمكن أن يقوّي الحكومة المركزية، حتى مع انتقال السلطة بعيدًا عنها. وهذا مهم بشكل خاص للاعتراف به، عندما تبدأ أوكرانيا في التفكير في المهمة الهائلة لإعادة الإعمار عند انتهاء الحرب.

وتعمل الحكومات والجهات المانحة متعددة الأطراف، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، على تطوير خطط طموحة لإعادة الإعمار في أوكرانيا. وأشارت المجلة إلى أنه من الضروري أن يكون للحكومات المحلية دورًا في تصميم وتنفيذ هذه الخطط.

وأضافت أن الحكومات المحلية يجب أن تكون محور جهود إعادة الإعمار في أوكرانيا. وتظهر الأدلة المبكرة أن العمل على المستوى المحلي يكون أكثر استجابة لمعظم القضايا من الجهود الوطنية أو حتى الدولية.

وأشارت إلى أن المتطوعين المحليين أسرع بكثير في تأمين التمويل المحلي، ويهدرون القليل من النفقات العامة، ويمكنهم العمل بالقرب من الخطوط الأمامية بمعرفة محلية أفضل من المنظمات الدولية.

وشدّدت على أنه من الضروري أن يتعلّم المانحون الدوليون من إخفاقات إعادة الإعمار السابقة، وأن يعملوا على دعم الكليات الأوكرانية وغيرها من الهياكل الحكومية المحلية لأنها تساعد في إعادة بناء البلاد.

وأكدت المجلة أن هذه السلطات مسؤولة أمام مواطني أوكرانيا، وستكون هناك من أجل الناس عندما تنتهي الحرب، مضيفة أنها حشدت المواطنين لدحر الهجوم الروسي، ويمكنها أيضًا المساعدة على إعادة إعمار أوكرانيا.

المصادر:
العربي - ترجمات

شارك القصة

تابع القراءة
Close