الخميس 2 مايو / مايو 2024

هجمات أوكرانية مضادة.. حديقة موسكو الخلفية "مستنقع" للجيش الروسي

هجمات أوكرانية مضادة.. حديقة موسكو الخلفية "مستنقع" للجيش الروسي

Changed

تناولت حلقة "تقدير موقف" مسارات الحرب في أوكرانيا إضافة إلى المعضلات الإستراتيجية التي تواجهها روسيا والسيناريوهات المحتملة للمواجهة (الصورة: غيتي)
مع دخول الهجوم الروسي أسبوعه الرابع، نجحت هجمات أوكرانية مضادة في قلب موازين الصراع على الأرض، فيما يلعب الرئيس الروسي كل أوراقه لكسر عزلته الدولية.

لا تزال الحرب مستعرة في أوكرانيا، حيث تستمرّ معارك الكرّ والفرّ على جبهات القتال كافة، على وقع مقاومة أوكرانية شرسة كبّدت الروس خسائر فادحة، وفيما يأبى عدّاد القتلى في صفوف المدنيين أن يتوقف.

هكذا، ومع دخول الهجوم الروسي أسبوعه الرابع، نجحت هجمات أوكرانية مضادة في قلب موازين الصراع على الأرض، حتى بات ممكنًا القول إنّ حديقة موسكو الخلفية تحوّلت إلى "مستنقع" للجيش الروسي.

وفيما يلعب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلّ أوراقه لكسر عزلته الدولية، وآخرها ورقة الحياد الأوكراني لفرض جدار عازل مع الغرب، تتعثّر المفاوضات التي تصطدم بشروط مسبقة، تفتح الباب أمام كلّ الاحتمالات.

إزاء ذلك، تُطرَح مجموعة من علامات الاستفهام، فما هي التحديات الإستراتيجية التي تواجهها موسكو بعد كل صمود أوكرانيا ومقاومتها في الأسبوع الرابع من الهجوم؟ وما سيناريوهات المخارج الممكنة بين تفاوض مشروط أو حسم عسكري قد يطول؟

بنود "قاسية" ومفاوضات "متعثرة"

يدخل الهجوم الروسي أسبوعه الرابع، ليبدو المنعرج انتقال القوات الأوكرانية إلى موقع الهجوم مع تراجع الأرتال العسكرية الروسية وسط تدفق للأسلحة الغربية والصواريخ المضادة للدبابات والطائرات.

في المسار الدبلوماسي جولات تفاوض مباشرة لم تثمر عن أيّ اتفاق حتى الآن، في ظلّ اتهامات متبادلة وحرب تصريحات. وفي وقت دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي موسكو لمحادثات جدية اعتبرها الفرصة الأخيرة لإحلال السلام، طرح بوتين فكرة حياد أوكرانيا وفق النموذج النمساوي أو السويدي كشرط لوقف إطلاق النار.

بدا ما سبق بمثابة بنود قاسية تُجرَّد من خلالها كييف من السلاح وتقطع الطريق أمام أي تحالفات عسكرية. يقول البعض إنه طريق الروس لحديقة خلفية آمنة من الأقدام الغربية.

في المقابل، تترك كييف الباب مفتوحًا أمام خارطة طريق موسكو وتضع على طاولة التفاوض ورقة عدم الانضمام إلى حلف الناتو مقابل ضمانات أمنية قوية مع صيغ ملموسة أبرز عناوينها وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية.

أما أنقرة التي دخلت على خط جهود السلام منذ الأيام الأولى للهجوم الروسي، فقد أكد وزير خارجيتها أن كييف وموسكو على وشك التوصل لاتفاق تجهل تفاصيله.

الغرب "متوجس" من "تنازلات" زيلينسكي

وسط ذلك، تترك جلسات التفاوض العلنية والسرية الباب مواربًا أمام تكهنات وتوجس الغرب من تنازلات زيلينسكي.

ففي أروقة الدبلوماسية تتبنى موسكو لهجة حادة تجاه خصومها وعلى رأسهم غريمها التقليدي الولايات المتحدة المتهمة بالسعي إلى إقامة عالم أحادي القطب.

وفي خطوة لكسر حالة الحصار الذي عزلها دوليًا تلعب روسيا كل أوراقها لكسب أصدقاء جدد وصياغة تحالفات تخرج اقتصادها من النفق المظلم.

في البيت الأبيض، ضبط الرئيس الأميركي جو بايدن عقارب ساعته على توقيت بكين، وهو ما تجلّى من خلال مكالمة هاتفية مطولة بين الرئيس الأميركي ونظيره الصيني، عنوانها الرئيس: لا مجال لمساعدات عسكرية صينية لموسكو قد تستخدم في ساحات القتال الأوكرانية.

هكذا جاء التحذير من البيت الأبيض لبكين التي لا ترى في تضييق الخناق على موسكو اقتصاديًا وعسكريًا إلا إضرارًا بالتوازن العالمي.

الأهداف الإستراتيجية لبوتين "لم تتحقق"

يرى مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مروان قبلان أنّ موضوع التورط العسكري وتحول أوكرانيا إلى مستنقع كان أحد السيناريوهات المطروحة منذ بداية هذه الأزمة تقريبًا.

ويشير قبلان في حديث إلى "العربي"، من الدوحة، إلى أنّ السيناريوهات التي وُضِعت على الطاولة منذ اليوم الأول كانت تتراوح بين حسم عسكري سريع وحرب طويلة تتحول فيها أوكرانيا إلى مستنقع أو يتم التوصل إلى اتفاق سياسي خلال فترة قصيرة.

ويلفت إلى أنّ الأهداف الإستراتيجية التي حددها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يتحقّق أي منها حتى اليوم، ويفنّدها للتأكيد على ذلك، بدءًا من الهدف الأول وهو الإطاحة بحكومة زيلينسكي، الأمر الذي لم يحصل، ولا سيما أنّ بوتين لم يتمكن من إسقاط العاصمة كييف بعد.

ويوضح أنّ الشرط الثاني، وهو نزع سلاح أوكرانيا، أيضًا لم يتحقق بدليل أن تسليح أوكرانيا زاد أكثر من البداية بسبب الدعم الغربي المستمر لها.

نقاط ضعف "مهولة"

أما بالنسبة لشرط عدم ضمّ أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي (الناتو) فهو قابل للنقاش، لكنه جاء بنتائج عكسية، بحسب قبلان، لأنه إذا نجح في منع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو، ثمّة دول محايدة في الأصل بدأت تبدي رغبة في أن تصبح جزءًا من الناتو مثل السويد وفنلندا.

ويشير إلى أنّ شرط دفع أوكرانيا إلى تغيير دستورها لم يتحقّق أيضًا، علمًا أنّ هذا الدستور  يتحدث عن هوية أوروبية للشعب الأوكراني ويجعل الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي هدفًا إستراتيجيًا للدولة الأوكرانية. ومن الشروط التي لم تتحقق كذلك، وفق قبلان، دفع أوكرانيا إلى الاعتراف بروسية القرم والإقليمين الانفصاليين في الدونباس.

ويخلص إلى أنّ العملية العسكرية تراوح مكانها منذ بعض الوقت بعدما كشفت الآلة العسكرية الروسية عن بعض نقاط الضعف "المهولة" في ما يتعلق تحديدًا بالأمور اللوجستية على غرار الإمداد والتمويل والخطط العسكرية.

أخطاء ارتُكِبت وتخطيط لم يتمّ بشكل جيد

في المقابل، يعتبر الباحث في الشؤون الروسية العسكرية بافيل فيلغنهاور أنّ الوضع بصورته العامة معقّد، ويتحدّث عن عمليات معقدة تجري على جبهات متعددة ف يأوكرانيا.

ولا ينكر فيلغنهاور في حديث إلى "العربي"، من موسكو، أنّ هناك أخطاء ارتُكِبت، مشيرًا إلى أن التخطيط السياسي والعسكري لم يجرِ بشكل جيّد.

ويوضح أنّ التوقعات في روسيا كانت تقوم على أنّ الأوكرانيين سيستسلمون، لكنّهم لم يفعلوا، لافتًا إلى أنّ الوقت يُعتبَر مهمًّا جدًا لأن هناك العديد من الصعوبات على الأرض.

وينبّه إلى أنّ الوضع قد يصبح أصعب والجنود الروس ربما قد تضيق بهم السبل، معربًا عن اعتقاده بأنّه سيكون هناك ربما سيطرة على المدن لكن ليس أكثر من ذلك. ويضيف: "الحرب سيطول أمدها وعملية التفاوض لا تجري بشكل جيد، فهي لم تصل إلى حلول بسبب موقف الطرفين".

"الحرب بدأت قبل ثماني سنوات"

أما الباحثة في الشؤون الأمنية والعلاقات الخارجية هانا تشيليسيت فتلفت إلى أنّه "بالنسبة إلى أوكرانيا هذه الحرب بدأت قبل ثماني سنوات عندما قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم".

وتوضح في حديث إلى "العربي"، من مدينة أوديسا الأوكرانية، أنّ معظم الرسائل السياسية التي أرسلها الروس لأوكرانيا كانت متشابهة، "لكن من الجانب الأوكراني فإن الأمر كان سهلًا لأننا نسعى إلى تحقيق استقلالنا وكذلك وحدة أراضينا والدفاع عن حرية سياستنا الداخلية والخارجية".

وفيما تشدّد على أنّ الوضع بالنسبة إلى أوكرانيا "واضح تمامًا"، تلفت إلى "إصرار الشعب الأوكراني" على المواجهة والصمود، وإلى "الوحدة ضمن المؤسسات السياسية" التي تجلّت بوضوح في هذه الحرب.

وتقول: "هناك منافسة سياسية داخل البلاد خصوصًا بين الرئيسين السابق والحالي، لكن منذ اليوم الأول للغزو الروسي فإن كل الأطراف والأحزاب وحّدت صفوفها ووجدنا أنفسنا في وقت الحرب أننا شعب واحد وليس الوقت مناسبًا لنناقش خلافاتنا بالنسبة للأجندات السياسية".

وتخلص إلى أنّ "الشعب الأوكراني محفَّز لأننا نسعى إلى الدفاع عن أراضينا وهذه تُعتبَر الرسالة الأساسية التي نحاول أن نركّز عليها في هذا الهجوم".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close