تجسّد ثورة 17 فبراير عظمة الشعب الليبي الذي تمكّن من إطاحة الديكتاتور الفوضوي، معمر القذافي، فخلافا للثورات العربية "إسقاط النظام" رفع الليبيون شعار "بناء النظام"، فخلال أربعة عقود من حكمه المرير، تمكّن العقيد معمر القذافي من تدمير البلد الثري قليل السكان، وتفكيك بنيانه الاقتصادي والسياسي، ولم يعد في البلد لا شركة قادرة على الاستثمار، ولا حزب قادر على المنافسة، ولا حتى جيش قادر على الانقلاب. في ذكرى فبراير هذا العام، يحتفل الليبيون بشكل مختلف، فقد حققوا انتصارهم الثاني، والذي لا يقل أهمية عن انتصارهم على القذافي. انتصروا على الثورة المضادة التي يقودها مجرم الحرب، خليفة حفتر. وهزموا مشروعه المسنود دوليا وإقليميا ومحليا. لم تكن هزيمة حفتر الذي وصل إلى أطراف طرابلس، وكاد يدخلها سهلة، لقد بذلت دماء غالية، سواء من المدنيين أم الثوار العسكريين، وحتى مقاتليه المغرّر بهم، فكل دم أريق هو خسارة لا تعوّض لليبيا.
يظل الحل السياسي، وهو ليس مثاليا، وقد يفشل، ومليء بالثغرات، وغير ذلك من المآخذ عليه، أفضل من الحل العسكري. نجح ثوار فبراير في صدّ العدوان وحماية عاصمة الدولة وإفشال الحل العسكري، لكنهم لا يستطيعون استكمال انتصار عسكري على الشرق، فمجرم الحرب ركّب انقلابه على انقسام جغرافي قبلي حقيقي، واستقطاب سياسي محلي مرتبط بمشروع دولي. هزم مشروع الثورة المضادة عسكريا، وعاد حفتر جنرالا معزولا معروضا للبيع، لا يشتريه أحد. وعاد الحراك السياسي بين الفرقاء، وبنيت آلية عمل سياسية قادرة على بناء الجسور بين الأطراف المختلفة. ولعل في انتخاب رئيس المجلس ورئيس الحكومة وفق آليه مقبولة للجميع نموذجا يُبنى عليه. صحيح أن من فازوا لا يملكون قاعدة شعبية قوية وحضورا مسلحا، ولعب المال السياسي دورا في فوزهم، إلا أن ذلك قد يكون ميزة لهم، وكلاهما من خط ثورة فبراير، ويرفضان مشروع الثورة المضادة.