الثلاثاء 23 أبريل / أبريل 2024

انتشار الكوليرا يفاقم الأزمات.. لبنان يدق ناقوس الخطر

انتشار الكوليرا يفاقم الأزمات.. لبنان يدق ناقوس الخطر

Changed

حلقة "عين المكان" تسلط الضوء على تفشي الكوليرا في لبنان وتبحث في أسباب انتشار المرض (الصورة: غيتي)
تعاني معظم مؤسسات الدولة اللبنانية من شلل وترهل في ظل الظروف التي تمر بها البلاد الأمر الذي يستحيل معه معالجة أزمات صحية كبرى بحجم الكوليرا. 

فيما يعاني لبنان من أزمات سياسية ومالية خانقة تشلّ مؤسساته على اختلاف خدماتها ومسؤولياتها، أدرج همّ صحي جديد على أجندة الأزمات الطارئة التي تعصف بالبلاد.

يتمثل هذا الهمّ في انتشار مرض الكوليرا بدءًا من الشمال، مرورًا بالبقاع، ووصولًا إلى مناطق أخرى. لكنّ المرض معروف المصدر هذه المرة، فهو آتٍ من البوابة السورية، بحسب خبراء.

ويستفحل المرض في سوريا، فيما تعجز الدولة اللبنانية عن ضبط دخوله عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية مع انعدام الإجراءات الحدودية الرادعة بالإضافة إلى غياب سبل الوقاية. 

ولعلّ ما يزيد الأمور تعقيدًا أنّ معظم مؤسسات الدولة اللبنانية تعاني من شلل وترهل في ظل الظروف التي تمر بها البلاد، الأمر الذي يستحيل معه معالجة أزمات صحية كبرى بحجم الكوليرا

كيف وصلت الكوليرا إلى لبنان؟

بالنسبة إلى مدير عام المصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية، فإن "الكوليرا لم تبدأ في مجاري الصرف الصحي، بل بدأت بمكاتب الإدارات العامة المسؤولة عن قطاعي الصرف الصحي والمياه".

ويوضح في حديث إلى "العربي"، أن الحكومة أنفقت مليارات الدولارات على قطاعي المياه والصرف الصحي، مشيرًا إلى أن "لبنان يفتقد إلى مخطط توجيهي عام للمياه والصرف الصحي، والمخطط القائم هو رقع من المشاريع التي نُفذت على قياس بعض المتعهدين". 

من جهته، يشير رئيس اللجنة الاقتصادية في غرفة تجارة زحلة والبقاع طوني طعمة، في حديث إلى "العربي"، إلى وجود محطة تكرير مياه في منطقة زحلة وهي تخضع لمسؤولية برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لكنه يعتبر أنه يجب التحقيق في ما إذا كانت تعمل أم لا، وسط تضارب المعلومات بشأن ذلك.

أمّا مندوب المصلحة الوطنية لنهر الليطاني محمد عمر، فيشير إلى أن مجرى نهر الليطاني أصبح صرفًا صحيًا بامتياز، ويصب في بحيرة القرعون، مشدّدًا على أنّ "المياه التي تدخل إلى البحيرة ملوثة". 

وتختلط مياه الأمطار بمياه الصرف الصحي والصرف الصناعي وتصب في الأنهار والبحر، بحسب علوية، الذي يرى أن هذه المشكلة المستدامة هي وليدة الفوضى في قطاع الصرف الصحي. ويلفت إلى أن ارتفاع أسعار الطاقة حال دون تشغيل محطات التكرير. 

لكن عمر يؤكّد أن المصلحة الوطنية لنهر الليطاني تعمل على فحص عينات لتحديد محطات التكرير التي تعمل والمياه الصالحة للري. 

قانون رفع التلوث عن الليطاني

من جهته، يؤكد النائب السابق في البرلمان اللبناني عاصم عراجي أن الدولة اللبنانية أصدرت قانون رفع التلوث عن نهر الليطاني، وتمت الموافقة عليه عام 2016. 

وتشمل مياه الصرف الصحي النفايات الطبية السائلة لأكثر من مؤسسة صحية حكومية. 

ويلفت طعمة إلى تسجيل إصابات بأمراض سرطانية في محيط مجرى النهر. ويقول: "يجب تكرير 400 ألف متر مكعب من المياه المبتذلة يوميًا". 

ويصب 47 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي في مجرى نهر الليطاني ومن ثم إلى بحيرة القرعون، بحسب علوية.

أي دور لعبته منظمات الأمم؟

ويشرح عمر أن منظمات الأمم تقصّر في سحب مياه الصرف الصحي من مخيمات النازحين، حيث تقوم بذلك كل شهر فيما يجب أن تسحب مياه الصرف الصحي أسبوعيًا. وتفيض هذه المياه وتذهب إلى المجاري الشتوية ومن ثم إلى مجرى نهر الليطاني.

ويؤكّد مدير عام المصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية أن المصلحة توجهت إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين بكتاب حددت فيه المخيمات التي تصب في مجرى نهر الليطاني وروافده، وأجابت المنظمة بأنها حدّثت المعلومات لديها وتعهدت بعلاج المشكلة بحلول نهاية عام 2019.

ويضيف علوية: "نحن الآن في عام 2022 ولم تعالج المشكلة حتى الآن". ويكشف أن المصلحة تقدمت بشكوى بحق إحدى الجمعيات الكبرى وطلبت إلزامها بمعالجة مياه الصرف الصحي للمخيمات بصورة مؤقتة.

انتشر الكوليرا في مناطق الشمال والبقاع حيث تنتشر مخيمات النازحين السوريين - غيتي
انتشر الكوليرا في مناطق الشمال والبقاع حيث تنتشر مخيمات النازحين السوريين - غيتي

وبالفعل، أصدر القاضي المنفرد الجزائي في زحلة قرارًا ألزم تلك الجمعية بتركيب محطات تكرير متنقلة للمخيمات، لكن وزارة الطاقة رفضت وتدخلت للعدول عن هذا القرار الذي اعتبر عنصريًا بحق النازحين. 

ويتساءل علوية: "لماذا لم تنتشر الكوليرا في تركيا أو الأردن وانتشرت في سوريا ولبنان؟". ويعتبر أن معدلات النزاهة منخفضة في قطاع المياه، وبالتالي يرتفع معدل التلوث وسنجد الكوليرا وأمراضا أخرى. 

وبعد محاولات عديدة للتواصل مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، أفادتنا المسؤولة الإعلامية عبر كتاب بهذه المبررات في محاولة لرفع مسؤولية المفوضية عن التلوث. 

لكن علوية يشير إلى أن بعض الجمعيات تتقاضى مقابل سحب مياه الصرف الصحي من المخيمات وترميها في الأراضي المكشوفة بدلًا من وضعها في محطات التكرير.

وفيما تحدثت بعض اللاجئات في أحد مخيمات النزوح عن معاناتهن مع التلوث، يؤكد عراجي أن القطاع الاستشفائي غير قادر على استقبال حالات كثيرة مصابة بالكوليرا. 

الكوليرا وصل العاصمة

وبعد كورونا، وصل الكوليرا إلى بيروت بعد انتشار واسع في مناطق الشمال والبقاع، حيث تنتشر مخيمات النازحين السوريين التي تفتقر إلى الحد الأدنى من معايير السلامة الصحية. 

وقد أعرب عدد من المزارعين عن خشيتهم من تسرب مياه الصرف الصحي إلى الآبار الارتوازية ومياه الري.

ويشرح رئيس بلدية ببنين في عكار والطبيب المتابع لأزمة الكوليرا كفاح الكسار أن حالة الكوليرا الأولى سُجلت لدى شخص من التبعية السورية في أحد المخيمات، وكان من الطبيعي أن تنتشر العدوى في المنطقة من خلال اختلاط المياه. 

من جهته، يروي أحمد الجندي الذي فقد أحد أفراد عائلته بالكوليرا، أنه يستيقظ في كل يوم للاطمئنان على أفراد عائلته خوفًا من تداعيات المرض، حيث يمكث عدد منهم في المستشفى.

الواقع البيئي المتردي سبب أساسي لانتشار الكوليرا في لبنان - غيتي
الواقع البيئي المتردي سبب أساسي لانتشار الكوليرا في لبنان - غيتي

ويقول الكسار: "إن السببين الرئيسيين لانتشار الكوليرا بهذا الشكل الكثيف في المنطقة هما كثافة عدد النازحين ما أسهم في انتقال العدوى بين النازحين واللبنانيين إضافة إلى الواقع البيئي المتردي نتيجة الوضع الاقتصادي الذي نعيشه جميعًا". 

الكوليرا في مياه الشرب

وتبين نتيجة فحص عدد من آبار مياه الشرب وجود العامل الفيرويسي للكوليرا، بحسب ناهد سعد الدين مديرة مركز الإيمان الصحي في ببنين، حيث تلفت إلى تلوث مناطق الري. وتشير إلى أن أفراد عائلات بأكملها تأتي لتلقي العلاج.  

من جهته، يعتبر مختار ببنين، محمد طالب أن عددًا من الجمعيات في المنطقة تسعى للربح المادي وليس لتقديم المساعدات، مشيرًا إلى أن حفر الصرف الصحي التابعة للمخيمات تشكل مصدر تلوث للمياه. 

ويحمّل الكسار المنظمات الدولية العاملة في المنطقة مسؤولية ما يجري، حيث يقتصر ما تقدمه على الدراسات، حسب قوله. ويضيف: "لو نفذوا وعودهم لما اشتكى النازحون أو اشتكينا".

ويخلص الكسار إلى أن الإصابات بالكوليرا غير مرتبطة بمنطقة جغرافية محددة؛ بل بات الوباء ينتشر في مختلف المناطق اللبنانية، بما فيها تلك البعيدة عن المشاكل البيئية. ويشدد على أن الدولة اللبنانية تتحمل مسؤولية الوضع القائم، ولا سيما في ضوء قلة الموارد التي تؤمّنها للبلديات المعنيّة.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close