الثلاثاء 14 مايو / مايو 2024

قيس سعيّد يفتح أكثر من جبهة.. الفصل بين السلطات في تونس "يضيع"

قيس سعيّد يفتح أكثر من جبهة.. الفصل بين السلطات في تونس "يضيع"

Changed

تناولت حلقة "للخبر بقية" مآلات الصدام بين الرئيس التونسي قيس سعيّد والقضاء على وقع القرارات الأخيرة التي اتخذها (الصورة: غيتي)
تطرح قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد أسئلة بشأن مستقبل البلاد مع إجراءات يبدو أنها لا تتوقف، وقد خرجت عن سياقات المسار الطبيعي للدولة.

يصرّ الرئيس التونسي قيس سعيّد على فتح أكثر من جبهة في وقتٍ واحد. فهو يسير قدمًا في المواجهة مع مؤسسات الدولة التشريعية، ويحلّ مجلس القضاء الأعلى في تونس.

وفيما فتح قرار سعيّد الباب أمام تداعيات جديدة، أكّد المجلس الأعلى للقضاء في تونس رفضه له، وتمسّكه برفض ما وصفه بالمساس بالبنيان الدستوري للقضاء.

واعتبر المجلس أنّ الاتهامات التي تكال له بالتقصير ما هي إلا مغالطات، محذّرًا من الإسقاط المفاجئ لضمانات استقلال القضاء التونسيّ.

إزاء ذلك، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام، فلماذا يريد الرئيس قيس سعيّد حلّ المجلس الأعلى للقضاء؟ وهل يتيح القانون له ذلك؟ وايّ تداعيات لهذه الخطوة على مسار التحول الديمقراطي في تونس؟

"غضب" قيس سعيّد

يتّهم الرئيس التونسي القضاة ومجلسهم بالفساد اتهامًا مباشرًا، مشرعنًا قراره حلّ المجلس الأعلى للقضاء. لكنّ هذا الغضب امتداد لغيره تجاه دوائر الدولة الموازية.

فمنذ 25 يوليو/ تموز الماضي، ضاع الفصل بين السلطات في طريق الاستحواذ على كل المراكز والمؤسسات، التي سار بها الرئيس سعيّد متسلّحًا بالفصل 80 من الدستور.

مكافحة الفساد ذريعته. حتى المظاهرات المحتجّة على قراراته منذ يوليو الفائت اتهم المشاركين فيها بأنّهم مأجورون.

لكنّه عاد بعد ذلك خلال اجتماعه بوزير الداخلية وآخرين في الوزارة، يطلب منهم حماية حق التونسيين في التظاهر السلمي، من دون أن يبدو واضحًا ما يقصده من المتظاهرين اللازمة حمايتهم.

مشهد "ملتبس".. كيف يفكّر الرجل؟

وسط ذلك، يبدو المشهد ملتبسًا. يمنع الرئيس المراقبين من إمساك خيط ليعرفوا كيف يفكّر، فيما خصومه يوجّهون أصابع الاتهام إليه بالانفراد والاستبداد.

في هذا السياق، تقف حركة النهضة ضدّ صولته على القضاء والإعلام وغيرهما، وقد رأى مستشار رئيسها رياض الشعيبي خطوته الأخيرة بمثابة استكمال للانقلاب والسيطرة على السلطات كافة.

ودفع الاستفراد بالسلطة الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي إلى التحذير من مغبّة ما يحدث، معلنًا دعمه القضاء كي لا يخضع للسلطة التنفيذية.

في المقابل، هناك من يدافع عن الرئيس التونسي. من هؤلاء عميد المحامين التونسيين الذي يدافع عن حلّ مجلس القضاء ويرى القرار فرصة لإصلاح المجلس والنظر في تركيبته.

لكنّ مثل هذه القرارات تطرح أسئلة بشأن مستقبل البلاد مع إجراءات يبدو أنها لا تتوقف، وقد خرجت عن سياقات المسار الطبيعي للدولة.

القرار كان "مُنتظَرًا"؟

تعتبر المحامية والقيادية في حركة الشعب ليلى الحداد أنّ استقلال القضاء مرهون بإرادة حقيقية من القضاة ومن شركائهم.

وتوضح في حديث إلى "العربي"، من تونس، أنّ قرار حلّ المجلس الأعلى للقضاء كان "مُنتظَرًا" منذ فترة، بسبب ما تصفه بـ"فشل" هذا المجلس في فتح الملفات الحقيقية المتعلقة بقضايا الفساد والاغتيالات، حيث بقي مجرد مراقب وكأنّ صلاحياته تقتصر على توزيع المهام والمكافآت.

وتلفت إلى أنّ القضاء في تونس لم يكن في حال جيدة قبل 25 يوليو بل كان في أسوأ حالة، وكان الانتماء والولاء لأحزاب سياسية مهيمنًا عليه، فيما أهم القضايا تراوح مكانها.

وفيما تدعو إلى "تحرير القضاء من سلطة الأحزاب السياسية"، على حدّ وصفها، تشير إلى أنّ الفساد نخر حتى القضاة، حيث "هناك قضاة متورطون في الفساد".

وتؤكد أنّ هناك العديد من القضاء الذين "فَرِحوا" بقرار الرئيس سعيد واطمأنّوا له، بل كانوا ينتظرونه لأنهم يعتبرون أنّ المجلس الأعلى للقضاء كان يحمي مصالح أحزاب سياسية بعينها وعلى رأسها حركة النهضة، إضافة إلى بعض رجال الأعمال.

رسالة "خطيرة" ستذكرها الأجيال المقبلة

في المقابل، ترى القاضية والمستشارة لدى محكمة التعقيب رجاء البجاوي أنّها "لحظة تاريخية"، لأنّ الأجيال المقبلة ستذكر أنها ستكون نكبة للمجتمع التونسي والدولة التونسية باعتبار أنّ السلطة القضائية هي فعلًا الضمانة الوحيدة لبقاء الدولة المدنية.

وتوضح في حديث إلى "العربي"، من تونس، أنّ "الرئيس اليوم يوجه رسالة إلى الشعب في تحويل صبغة الدولة من دولة مدنية إلى دولة بوليسية عسكرية".

وتؤكد أنّ "هذه الرسالة خطيرة وبعض الناس يدّعون أنّهم لا يفهمون هذه الرسائل، ربما رغبة في التموقع السياسي أو في التلون بلون السلطة السياسية، لكن هذه الرسالة كانت واضحة".

وتشدّد على أنّ "ضرب المجلس الأعلى للقضاء كضمانة لاستقلالية القضاء في تونس هو أخطر قرار يمكن أن يتخذه الرئيس في هذه الفترة".

وتلفت إلى أنّ القضاء يدعون الرئيس التونسي إلى عدم فتح باب التصفية الجسدية للقضاة بدعوى التطهير وهي عبارة لا تستعمَل أبدًا في دولة ديمقراطية.

وتشير إلى أنّ القضاة نددوا بحملات التشويه الممنهجة منذ 25 يوليو إلى اليوم التي تطال القضاة في أشخاصهم وفي سمعتهم ومهنهم.

خبط وسريالية وأكثر

من جهته، يعتبر الأكاديمي والباحث السياسي مراد اليعقوبي أنّ ما يحدث اليوم هو استكمال لمسار بدأه قيس سعيّد منذ 25 يوليو، وحتى قبل ذلك من السعي إلى إثبات سيطرته على القوة الصلبة أي الأمن والجيش وما إلى ذلك.

ويذكّر في حديث إلى "العربي"، من تونس، أنّ الرئيس قيس سعيّد أعلن منذ البداية أنه سيترأس النيابة العمومية وسيتحكم بها، "وهذا المسار يتجه نحو وضع يده على كل السلطات وإلغاء أي ضمانات دستورية أو قانونية لكل هيكل موجود في البلاد".

ويعرب عن أسفه لكون "هذا المسار لا يحكمه أي سند قانوني أو دستوري وهو نوع من الخبط والسريالية"، مضيفًا: "تجاوز بنا كل ما كنّا نتصوّره من السريالية والعبث".

ويتابع: "دخلنا مرحلة خطيرة جدًا فيها تهديد لكل المؤسسات وإخضاع لها وحتى تفتيت لمكونات الدولة".

ويعتبر أنّ قرارات الرئيس قيس سعيّد تنطوي كذلك على "إلغاء أي إمكانية لدعم مسار ديمقراطي يسمح للناس باختيار من يحكمهم ومن يسيّرهم"، معتبرًا أنّ سعيّد "يهتمّ فقط برؤيته للتنظيم السياسي بهدف فرض سلطته دون الاهتمام بمطالب شعبية".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close