الخميس 25 أبريل / أبريل 2024

قمع دموي منذ اللحظة الأولى.. شهادات توثق اقتحام المسجد العمري في درعا

قمع دموي منذ اللحظة الأولى.. شهادات توثق اقتحام المسجد العمري في درعا

Changed

ألقى برنامج "كنت هناك" الضوء على اعتصام المسجد العمري في مدينة درعا السورية التي باتت مهدًا للثورة (الصورة: تويتر)
يوثّق شهود اقتحام قوات النظام السوري المسجد العمري وإقدامها على قتل المتظاهرين من دون رحمة في 23 مارس 2011.

في منتصف مارس/ آذار 2011، انطلق حراك شعبي سلمي من درعا، تركّز في ساحة الجامع العمري على شكل اعتصام مفتوح، تحت اسم ساحة "الحرية والكرامة"، مضيفة رمزية جديدة للمسجد الذي يعتبر أحد أهم المعالم الأثرية في درعا.

وتنافست قيادات النظام السوري في محاولة احتواء الثورة السورية، من خلال مقابلة الوفود القادمة من درعا، والتي شكّلها الأهالي لتكون الجهة المخوّلة لمفاوضة النظام وتقديم مطالب المتظاهرين.

إلا أن الأمر لم يتعد المقابلات والوعود، فاستمرت المجازر والاعتقالات.

الحل القمعي منذ اللحظة الأولى

وقال المهندس مطيع البطين، أحد وجهاء محافظة درعا، في حديث إلى "العربي"، إنه منذ اللحظة الأولى، استخدم النظام الحل القمعي والدموي، حيث حسم أمره بمواجهة أي حراك بالحديد والنار.

وتحدّث علاء أبازيد، الناشط الإعلامي، إلى "العربي"، مشيرًا إلى أن قوات النظام استخدمت القنابل المسيلة للدموع لفضّ الاحتجاجات في درعا، ثمّ أطلقت الرصاص الحي على المتظاهرين.

بدوره، أوضح الشيخ أحمد صياصنة، خطيب الجامع العمري في درعا أنه في اليوم الاول للاحتجاجات طالب بتغيير رئيس الأمن السياسي في مدينة درعا عاطف نجيب، لكن ذلك لم يحصل، واستمرّت الاحتجاجات الشعبية بزخم أكبر.

من جهته، أوضح عبد المولى الحريري، العضو في مجلس قيادة الثورة في درعا، في حديث إلى "العربي"، أنه في 19 مارس، توافد المحتجون لتشييع أول شهيد في احتجاجات درعا، ومن ثمّ عادوا إلى المسجد العمري لإكمال الاعتصام.

وقال صياصنة إن عدد من المتظاهرين عاد إلى محطة درعا للاعتصام، حيث قُتل عدد منهم برصاص قوات النظام، وجرى إحراق مقرّ الحكومة، ومبنى الاتصالات "سيريا تل"، ومركز مكافحة المخدرات.

واتهم أبازيد النظام بحرق السرايا للايهام بأن المتظاهرين يقومون بأعمال شغب ولا يطالبون بحقوقهم.

وفي اليوم التالي، زار الضابط في جيش النظام رستم غزالة، بطلب من رئيس النظام بشار الأسد، على رأس وفد يضمّ فيصل المقداد، المدينة لتقديم واجب العزاء بالقتلى.

وقال الحريري إن عددًا من وجهاء المنطقة والمعتصمين اجتمعوا في الساحة الخلفية للمسجد العمري، وكتبوا مجموعة من المطالب لتقديمها للقيادة.

وشرح البطين أن الاجتماع كان محاولة من الأهالي لتكوين مرجعية عامة لتمثيل مختلف شرائح أهالي درعا.

اقتحام المسجد

وشرح الحريري أن ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام، أرسل طائرتين تضمّان أعضاء من الفرقة الرابعة إلى الملعب البلدي في درعا، واقتحموا في 23 مارس، المسجد العمري حيث يتواجد المعتصمون، ووضعوا السلاح والمال داخل المسجد وصوّروه على أنه تمويل خارجي للمعتصمين.

وأوضح صياصنة أنه عند الساعة الواحدة ليلًا، قٌطعت الكهرباء وشبكة الهاتف الثابت عن المدينة. واقتحمت قوات النظام المسجد وأطلقت النار على المعتصمين، وقتلت عددًا منهم، هاتفة: "سنعود، سنعود"، وكتبت على المصاحف باللغة الفارسية.

ومرة أخرى، زار غزالة ورئيس مكتب الأمن القومي في حزب البعث السوري اللواء هشام اختيار والعميد ناصر العلي المسجد العمري.

وقال صياصنة: "خلال زيارة غزالي، استفسر المعتصمون عن الكتابات عن المصافح باللغة الفارسية، فأجابه غزالة: استرونا، يستر الله على ولاياكم".

الاربعاء الدامي

وفي 23 مارس، وقعت أحداث "الأربعاء الدامي" التي أسفرت عن مقتل 31 معتصمًا. ولاحقًا، جرى تمزيق صور رئيس النظام بشار الأسد، كما أسقط المعتصمون تمثال حافظ الأسد في 25 مارس.

وشرح الحريري أنه خلال مجرزة "الأربعاء الدامي" سقط قتلى من مختلف قرى حوران.

وأوضح أبازيد أنه خلال إسقاط تمثال حافظ الأسد، أُطلقت النيران على المتظاهرين من منزل محافظ المدينة، ما أدى إلى سقوط قتلى.

بدوره، قال صياصنة: "كنا ندور في حلقة مفرغة، نجري اللقاءات مع القيادات، ونتلقّى الوعود من دون نتيجة".

وأضاف صياصنة أنه خلال لقاء مع وزير الخارجية السابق فاروق الشرع لإطلاعه على ما يحصل في درعا، قال لي الشرع بالحرف الواحد: "أنصحك أن لا تراجع أي مسؤول من المسؤولين. راجع رئيس الهرم".

لقاء رئيس النظام

وفي 14 أبريل/ نيسان، جرى لقاء مع رئيس النظام.

وقال صياصنة: "وجّهت اللوم والعتب لرئيس النظام مباشرة، وقلت له إننا كنّا نرسل لك شكاوى مما يحدث في درعا، ولم نجد استجابة منك نهائيًا. كنت أتوقّع منك أن تزور المنطقة، وتستمع بنفسك إلى مطالب الأهالي، وأوجاعهم. كما أنك تجاهلت أهالي درعا في خطابك في 30 مارس، ولم تواسيهم على مصابهم". لكنه ردّ بأنه خطابه كان موجّهًا إلى الخارج. فأجبته: إذا كان خطابك موجهًا للخارج لماذا قلت إنه إذا أرادوا الحرب فأهلًا وسهلًا بهم. فإذا به يصمت".

وأضاف صياصنة: "طلبنا منهم تغيير اللجنة الأمنية في درعا. وفي نهاية اللقاء، قال بشار الأسد، ستغادرون الاجتماع وتعودوا إلى درعا، وستجدون أن الأمور قد أصبحت على خير ما يرام".

من جهته، شرح البطين أن "لغة الحوار في اللقاء، كانت تدل على شخصية الأسد المهزوزة، إذ كان يقول إنه مريض. وعندما طلب الوفد منه تغيير عاطف نجيب، أجاب الأسد: "هذا ابن خالتي، وإقالته من منصبه يُغضب أمه".

وأضاف أن شخصيته أظهرت أنه "شخص يسهل التحكّم به، وهذا ما تبيّن للجميع عندما جرى توظيفه من قبل إيران وقوى أخرى من أجل المضي في الحل القمعي".

وأوضح الحريري أنه عندما انتشرت الثورة في كافة الأراضي السورية، عاد النظام لاخمادها قي عقر دارها، فكان حصار درعا البلد".

وفي 12 مارس، استُهدف المسجد العمري في درعا البلد.

وقال البطين إن "النظام أراد أن تدفع درعا فاتورة مكلفة للثورة. ولا يزال أبناء درعا يدفعون هذه الفاتورة حتى الآن، حيث يستمر سيناريو التهجير بشكل واسع، ولا تزال الاغتيالات تسيطر على المشهد الأمني".

وبعد أكثر من 11 عامًا على انطلاقة الثورة السورية، تعيش درعا واقعًا أنتجه تدخل قوى عظمى في البلاد، بدعوة من النظام. خليط من تواجد روسي وإيراني، وتواجد للنظام الذي سيطر على المحافظة بعد حملة قصف شرسة بدعم روسي عام 2018؛ ما أدى إلى تهجير عدد كبير من السكان، ودفع بعض فصائل المعارضة إلى الانضمام إلى تشكيلات تتبع لروسيا وإيران وحتى النظام.

واليوم، يعيش في درعا أقل من نصف سكانها، فيما توزّع الباقي على بقاع الأرض كما معظم المحافظات السورية. واقع من الفقر وانعدام الأمن، وتاريخ من التضحيات، ومستقبل مجهول.

إلا أن كل ذلك، لم ينجح في إنهاء الثورة هناك، إذ لا تمر ذكرى جديدة للثورة دون مشاركة أهالي درعا، ومن ساحة المسجد العمري نفسه.

ورغم تغيّر الظروف، والواقع الأمني الصعب، لم تتغيّر الهتافات المنادية باسقاط النظام.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close