الأحد 12 مايو / مايو 2024

انتفاضة وتوتر وتسويات.. مسيرة الديمقراطية السودانية الحافلة بالانقلابات

انتفاضة وتوتر وتسويات.. مسيرة الديمقراطية السودانية الحافلة بالانقلابات

Changed

مرّ السودان بمراحل متوترة للوصول إلى الديمقراطية المنشودة
مرّ السودان بمراحل متوترة للوصول إلى الديمقراطية المنشودة (غيتي)
للسودان تاريخ "حافل" مع الانقلابات العسكرية، بدأت منذ الخمسينيات، ولم تنتهِ بعد على ما يبدو.

عام 2019، شهد السودان انقلابًا عسكريًا ضدّ نظام الرئيس عمر البشير، بعد تظاهرات شعبية حاشدة انطلقت في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2018. وانتهى الأمر بالإطاحة بالبشير في 11 أبريل/ نيسان 2019.

وللسودان تاريخ "حافل" مع الانقلابات العسكرية بدأت منذ الخمسينيات، ولم تنتهِ بعد على ما يبدو. فاليوم، وبعد سنتين من الإطاحة البشير، يشهد السودان محاولة جديدة وُصفت بـ"الانقلاب" حيث جرى اعتقال معظم أعضاء مجلس الوزراء السوداني، وعدد كبير من قادة الأحزاب المناصرة للحكومة الانتقالية، بعد توترات دامت أسابيع بين الجيش والحكومة المدنية.

وبموجب اتفاق أُبرم في أغسطس/ آب 2019، يتقاسم الجيش السوداني السلطة مع مسؤولين معينين من جماعات سياسية مدنية داخل مجلس السيادة الحاكم الذي كان من المقرّر أن يقود البلاد لانتخابات بحلول نهاية عام 2023.

لكن للوصول إلى للمرحلة الانتقالية، مرّ السودان بمراحل متوترة، دفع خلالها السودانيون ضريبة ثقيلة من الدماء.

ثورة "الخبز والحرية" والإطاحة بالبشير

أطلق السودانيون ثورة "الخبز والحرية" في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2018، بدأت من مدن عطبرة وسرعان ما توسّعت التظاهرات لتشمل مدنًا وأقاليم أخرى. وبعد حوالي أربعة أشهر، أطاح الجيش السوداني بالبشير، واعتقله بعد ثلاثة عقود من وصوله إلى سدة الحكم إثر انقلاب قاده هو عام 1989 بمساندة الإسلاميين.

قمع دموي

ورغم تشكيل مجلس عسكري انتقالي في البلاد إثر الإطاحة بالبشير، واصل المتظاهرون اعتصامهم أمام مقرّ قيادة الجيش في الخرطوم مندّدين بـ"انقلاب".

لكنّ مسلّحين بملابس عسكرية أقدموا، في الثالث من يونيو/ حزيران 2019، على فضّ الاعتصام بشكل وحشي، ما أسفر عن مقتل 250 شخصًا. ووفقًا لتحقيق أولي أجراه الجيش، تبيّن أنّ عناصر من "قوات الدعم السريع" شبه العسكرية تورّطت في إراقة الدماء.

اتفاق المرحلة الانتقالية

في 17 يوليو/ تموز، وقّع قادة الاحتجاج في السودان والمجلس العسكري الحاكم بالأحرف الأولى "الإعلان السياسي" الذي يُقرّ مبدأ تقاسم السلطة خلال فترة انتقالية تمتدّ على ثلاث سنوات؛ وينصّ على إنشاء "مجلس سيادة" يُدير المرحلة الانتقالية.

وبعد مفاوضات في منتصف الشهر التالي، تشكّل مجلس السيادة الذي ضمّ ستة مدنيين وخمسة عسكريين برئاسة الفريق عبد الفتاح البرهان. وتمّ تعيين عبدالله حمدوك، الخبير الاقتصادي سابقًا في الأمم المتحدة، رئيسًا للحكومة.

وكانت أولويات السلطة الجديدة إحلال السلام في البلد الذي يشهد نزاعًا مع المتمردين في دارفور (غرب) وفي ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، أسفر عن مقتل الآلاف.

حلّ حزب البشير وإدانة الرئيس السابق

في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، تمّ حلّ حزب الرئيس المخلوع و"تفكيك" نظامه. وفي الرابع عشر من الشهر التالي، صدر حكم بالتحفّظ على البشير في "دار للإصلاح الاجتماعي لمدة عامين" بعد إدانته بالفساد في واحدة من قضايا عدة ضده.

في 22 من الشهر نفسه، فتحت السلطات القضائية تحقيقًا في الجرائم المرتكبة في إقليم دارفور منذ عام 2003 في حقّ البشير المطلوب منذ أكثر من عقد من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب "إبادة جماعية" و"جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية".

اتفاق سلام 

وفي 30 يونيو/ حزيران 2020، تظاهر عشرات الآلاف في الخرطوم ومدن أخرى للمطالبة بتطبيق الإصلاحات التي نادوا بها خلال الانتفاضة. وطالب المتظاهرون بـ"محاسبة" المسؤولين عن القمع. وفي 17 أغسطس/ آب، تظاهر نحو 3 آلاف شخص في الخرطوم للتعبير عن خيبة أملهم عقب توقيع اتفاق الانتقال السياسي.

في 3 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، وقّعت الحكومة السودانية اتفاق سلام تاريخيًا في جوبا مع تحالف من خمس مجموعات متمرّدة وأربع حركات سياسية، من إقليم دارفور (غرب) وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، يفترض أن يضع حدًا للنزاع الدموي الذي استمر 17 عامًا.

طوارئ اقتصادية وسحب السودان من لائحة الإرهاب

في 11 سبتمبر/ أيلول 2020، أعلنت الحكومة "حالة الطوارئ الاقتصادية" لاحتواء انهيار الجنيه مقابل الدولار وكبح التضخم الهائل، بعد أقلّ من شهرين من موافقته على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، شطبت الولايات المتحدة رسميًا السودان من قائمتها السوداء للدول الراعية للإرهاب في 14 ديسمبر/ كانون الأول.

حكومة جديدة ووضع هش 

في 8 فبراير/ شباط 2021، كشف رئيس الوزراء عن حكومة جديدة تشمل سبعة وزراء من مجموعات متمردة كانت ناشطة في ظل النظام السابق. وبعد أربعة أشهر، دعا عبدالله حمدوك إلى الوحدة بين السياسيين والعسكريين محذرًا من انقسامات "مثيرة للقلق الشديد".

انقلاب فاشل

في 17 سبتمبر/ أيلول، أغلق متظاهرون الميناء الرئيس للبلاد في بورتسودان (شرق)، وبعدها بأربعة أيام، أعلنت الخرطوم أنها أحبطت محاولة انقلاب قام بها مدنيون وعسكريون متهمة إياهم بأنهم مرتبطون بنظام البشير.

في الشهر التالي، وصف حمدوك الفترة الانتقالية بأنها تمرّ بـ"أسوأ مرحلة"، وقام موالون للجيش بنصب خيم أمام القصر الرئاسي حيث مقرّ السلطات الانتقالية من أجل المطالبة بحكومة عسكريين. وردًا على ذلك، نُظمت تظاهرات كبرى مؤيدة لحكومة مدنية بعد أيام من التظاهرة الأولى.

خلافات بين الطرفين المدني والعسكري

خلال المرحلة الانتقالية، كان من المفترض أن يكون دور العسكريين "شرفيًا إلى حد كبير"، لكن المكون المدني في السلطة الانتقالية شكا مرارًا من تجاوز الجيش صلاحياته فيما يتعلّق بالسياسة الخارجية ومفاوضات السلام. بدوره، اتهم الجيش الأحزاب المدنية بسوء الإدارة واحتكار السلطة. وانحاز ائتلاف من جماعات معارضة وأحزاب سياسية مع القوات المسلحة وسعوا إلى حلّ مجلس الوزراء المدني.

واختلف الطرفان العسكري والمدني حول مجموعة من القضايا، أبرزها السعي إلى تحقيق العدالة بشأن مزاعم ارتكاب الجيش السوداني وحلفائه جرائم حرب في الصراع في دارفور منذ عام 2003. ووافق مجلس الوزراء المدني على تسليم المشتبه بهم للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمتهم، لكن مجلس السيادة لم يفعل.

كما تشمل الخلافات التحقيق في قتل المتظاهرين في الثالث من يونيو/ حزيران 2019. ويثير التأخّر في نشر نتائج هذا التحقيق غضب الناشطين وجماعات مدنية.

وضغط المدنيون من أجل الرقابة على الجيش وإعادة هيكلته، ولا سيما من خلال دمج قوات الدعم السريع شبه العسكرية التي لها وضع قوي، وهو الأمر الذي يعارضه القادة العسكريون.

أزمة اقتصادية

ورغم أن الحكومة الانتقالية نفّذت إصلاحات قاسية وسريعة تحت إشراف صندوق النقد الدولي في محاولة ناجحة لجذب التمويل الأجنبي وتخفيف الديون. إلا أن التضخّم ارتفع إلى مستويات قياسية تجاوزت 400%، بينما يتظاهر معظم السودانيين احتجاجًا على صعوبة تدبير أمورهم المعيشية.

وفي 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، اعتقل عسكريون مسؤولين حكوميين وسياسيين في السودان على رأسهم رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، الأمر الذي وصفه أبرز تجمّع مناد بتسليم السلطة إلى المدنيين بأنه "انقلاب".

المصادر:
العربي، وكالات

شارك القصة

تابع القراءة
Close