الإثنين 22 أبريل / أبريل 2024

أفق سياسي مسدود.. مظاهرات السودان تحصد أكبر عدد من الضحايا منذ أشهر

أفق سياسي مسدود.. مظاهرات السودان تحصد أكبر عدد من الضحايا منذ أشهر

Changed

ناقشت حلقة "للخبر بقية" انسداد الأفق السياسي في السودان وتعثر الوساطة الدولية لتقريب وجهات النظر بين القوى الرئيسة في البلاد (الصورة: رويترز)
قتل سبعة أشخاص على الأقل في مظاهرات السودان التي حملت عنوان "مليونية 30 يونيو" للمطالبة بحكم مدني وعودة الجيش إلى ثكناته.

مجدّدًا، تصدّرت مظاهرات السودان المشهد، على وقع قمع مفرط، أدّى إلى سقوط العدد الأكبر من الضحايا منذ أشهر، وقد جاءت في تاريخ "رمزي"، بالتوازي مع حوار متعثر وعزلة إقليمية ودولية، ووسط أفق يبدو مسدودًا إلى حدّ بعيد.

فقد قتل سبعة أشخاص على الأقل في المظاهرات التي خرجت في مدن سودانية عدة تحت عنوان "مليونية 30 يونيو" للمطالبة بحكم مدني وعودة الجيش إلى ثكناته.

وبحسب لجنة أطباء السودان المركزية، فقد أصيب خمسة بين الضحايا على الأقل "برصاص مباشر في الصدر" أو "في الرأس" أو "في الظهر"، وأحدهم قاصر.

وفيما أعلنت ارتفاع عدد ضحايا القمع الإجمالي منذ انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول إلى 110، ندّدت بإطلاق قوات الأمن قنابل "الغاز المسيل للدموع في أحد المستشفيات في العاصمة الخرطوم ومنع عربة الإسعاف من دخول المستشفى".

في المقابل، اعتبرت قوى الحرية والتغيير المدنية أن "مليونيات 30 يونيو (...) أثبتت أن الثورة حية لا تموت"، بعد ثمانية أشهر من الانقلاب الذي أغرق إحدى الدول الأشدّ فقرًا في العالم، في أزمة اقتصادية وسياسية.

رمزية كبرى للسودانيين

وتحمل احتجاجات 30 يونيو/ حزيران رمزية كبرى للسودانيين، فهو التاريخ الذي انقلب فيه الرئيس السوداني السابق عمر البشير عام 1989 على آخر حكومة مدنية في البلاد.

كما تأتي هذه المظاهرات بعد ثمانية أشهر من الانقلاب العسكري ضد الحكومة المدنية الذي قام به قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر الماضي، واعتُقِل حينها عدد من كبار الشخصيات في الحكومة، بمن فيهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وفرضت كذلك حالة الطوارئ في البلاد.

ومنذ الانقلاب، نظّمت لجان المقاومة احتجاجات سلمية للضغط على الجيش لتسليم السلطة والوصول إلى حكم مدني سقط خلالها عشرات القتلى.

ومن أهمّ الأهداف المعلنة للاحتجاجات إنهاء الانقلاب وتشكيل حكومة مدنية كاملة ومحاسبة المتورطين في قتل المتظاهرين.

مليونية 30 يونيو في السودان
مليونية 30 يونيو في السودان
مليونية 30 يونيو في السودان
مليونية 30 يونيو في السودان
مليونية 30 يونيو في السودان
مليونية 30 يونيو في السودان
مليونية 30 يونيو في السودان
مليونية 30 يونيو في السودان
مليونية 30 يونيو في السودان
مليونية 30 يونيو في السودان

الأزمة السودانية تصل إلى طريق مسدود

وتجلّى الطريق المسدود الذي وصلت إليه الأزمة السودانية بعد تعثّر الحوار السوداني برعاية الآلية الثلاثية بسبب رفض قوى سياسية فاعلة المشاركة في الحوار كقوى الحرية والتغيير، المجلس المركزي، والتجمع المهني ولجان المقاومة، ما دفع الطرف الإقليمي الذي يمثل الاتحاد الإفريقي إلى تعليق مشاركته في الحوار، وهو الطرف الذي كان بارزًا ومؤثّرًا إيجابيًا عام 2019 للتقريب بين الأطراف، حيث تمّ حينها التوصل إلى الوثيقة الدستورية في أغسطس من العام نفسه.

كما أدّت العزلة الإقليمية والدولية التي يعيشها السودان بعد الانقلاب إلى تفاقم الوضع الاقتصادي، حيث قال التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي إن السودان سجّل أعلى معدل تضخم في إفريقيا عام 2022، حيث بلغ حوالي 245% بسبب الأزمة الاقتصادية طويلة الأمد وعدم الاستقرار السياسي.

إزاء ذلك، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام حول مآلات المشهد السوداني في ظلّ انسداد الأفق السياسي بعد أكثر من ثلاث سنوات على انتهاء حكم البشير وتعثر الوساطة الدولية لتقريب وجهات النظر بين القوى الرئيسة في البلاد.

لماذا لا تتوافق القوى المدنية السودانية؟

بالنسبة إلى الكاتب الصحافي خالد الأعيسر، فلا أحد يريد أن يسيطر الجيش على المشهد السياسي في السودان، وجميع الناس يتوقون إلى الدولة المدنية.

ولكنّه يلفت في حديث إلى "العربي"، من لندن، إلى أنّه "لا بدّ أن نقرأ في سياق هذه المعادلة التراكم الذي شهدته التجربة الطويلة التي امتدّت لثلاث سنوات وما الذي جناه الشعب السوداني من الاتفاق الثنائي بين بعض المكونات المدنية وبين المؤسسة العسكرية".

ويوضح أنّ ما جناه السودان في هذه الفترة هو انسداد في الأفق السياسي وصراعات داخلية، وهذا الأمر بالتحديد هو الذي يمنع المكوّن العسكري من تسليم السلطة. ويشير إلى أنّ المكوّن العسكري ذكر أنه على استعداد لتسليم السلطة إلى القوى المدنية عن طريق التوافق أو الانتخابات.

إلا أنّ الأعيسر يلاحظ أنّ "السؤال الموضوعي هنا ليس لماذا لا يسلّم الجيش السلطة وإنما لماذا لا تتوافق القوى المدنية السودانية طالما أن الطريق يمكن أن يُقطَع على المؤسسة العسكرية بشكل من أشكال التوافق في حده الأدنى لمرحلة انتقالية".

وفيما يؤكد رفضه سيطرة المكون العسكري على السلطة كما رفضه فكرة التعتيم على الحريات وقطع الإنترنت وهذه الخروقات التي تقع بحق الثوار من قتل وتنكيل، يشدّد على وجوب "قراءة المشهد بكليته"، على حدّ وصفه.

مظاهرات السودان "ستضع حدًا لمغامرات العسكر"

من جهته، يدعو الناطق الرسمي باسم تجمع المهنيين السودانيين مهند مصطفى النور إلى التمييز بين مختلف قوى وفصائل المعارضة، موضحًا أنّ تجمع المهنيين السودانيين خرج من قوى الحرية والتغيير منذ عام 2020.

ويشير في حديث إلى "العربي"، من نيوكاسل، إلى أنّ "30 يونيو يوم عظيم حين حوّل الشعب السوداني يوم الانقلاب المشؤوم إلى ملحمة تاريخية عظيمة محت أحزان مجزرة فض الاعتصام وأرعبت الجلاد"، لافتًا إلى أنّ بعض القوى السياسية تعاملت مع تظاهرة 30 يونيو 2019 كعتبة لرفع السقف التفاوضي.

ويشدّد على أنّ الجماهير التي خرجت اليوم قادرة على أن تحدد مسارها، فالشارع حدد مساره، ولجان المقاومة تحولت لقوى منظمة لديها برنامج سياسي واضح.

وإذ يقرّ بأنّ المعارضة فشلت في أن تترجم القوة الثورية في الشارع إلى فعل سياسي حقيقي لأنّ لبعضها أطماعًا، يلفت إلى أنّ القوة الثورية على الأرض هي لجان المقاومة وتجمع المهنيين ومن لديهم مصلحة حقيقية في التغيير وليس من يريدون الحفاظ على مصالحهم التاريخية.

ويخلص إلى أنّ القوى في الشارع ستضع حدًا لمغامرات العسكر في الانقلابات ولهيمنتهم على الحياة السياسية في السودان وهذا المدخل لبناء سودان مستقرّ ينعم فيه الشعب السوداني بالرفاهية.

حراك الأحزاب السياسية "متخلّف" عن حركة الشارع

أما أستاذ التاريخ الحديث المعاصر في جامعة قطر أحمد أبو شوك، فيتحدّث عن مأزق سياسي وأزمة حقيقية تقتضي تشريح الوضع السياسي داخل السودان قبل دخول الاتحاد الإفريقي أو أي جهة ميسّرة على الخط.

ويلفت في حديث إلى "العربي"، من الدوحة، إلى وجود ثلاث جبهات تسهم في بلورة الفعل السياسي بصورة واضحة، في مقدّمها الشارع السوداني وهو المؤثر المحرّك في ما يحدث حيث لا تستطيع جهة سياسية أن تدّعي أنّ هذا التحرك الجماهيري يمثلها.

ويشير أبو شوك إلى أنّ الشباب منذ أن خرجوا كانوا يبحثون عن التغيير السياسي والاقتصادي الذي يؤمّن لهم مستقبلهم بدليل أن الحكومات العسكرية حكمت السودان أكثر من 55 عامًا بعد الاستقلال، ولم تفعل سوى استقطاب المزيد من الأزمات والمشاكل.

ويعرب عن اعتقاده بأنّ حراك الأحزاب السياسية حراك متخلف عن حركة الشارع بدليل أن المكوّن العسكري أضحى يعيد تموضعه باستخدام فزّاعات الحوار أو الانتخابات أو التوافق وكلها كلمات فضفاضة وتدل على أزمة المكون السياسي المدني.

ويلفت إلى أنّ المكون المدني لم يأتِ لغاية اللحظة برؤية متماسكة أو متكاملة، موضحًا أنّ التوافق السياسي لا يعني توحّد القوى السياسية؛ وإنما الاتفاق على الحد الأدنى الذي يحقّق شعارات الشباب أي الحرية والسلام والعدالة وحكومة مدنية ونظام ديمقراطي في السودان.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close